في أطواري وتقلباتي؟ أولا تشاهدون كثرة فوائدي ومنافعي وغرائب حكمي ومصالحي؟ أتظنون أني تكونت بنفسي أو خلقني أحد من جنسي؟ أو تستحيون تنظرون في كلمة مرقومة من ثلاثة أحرف، فتجزمون أنها صنعة آدمي مريد عالم ومتكلم قادر، ثم تنظرون إلى عجائب الخطوط الإلهية المرقومة على صفحات وجهي والعجائب الربانية المودعة في باطني وظاهري ومع ذلك عن عظمة ربي غافلون وعن علمه وحكمته ذاهلون؟!
تتميم قد دريت إجمالا أن التفكر محصور بين التفكر في صفات الله وعجائب أفعاله، والتفكر في ما يقرب العبد إلى الله ليفعله وفيما يبعده عنه ليتركه. وغير ذلك من الأفكار ليس نافعا ولا متعلقا بالدين. مثال ذلك:
أن حال السائر إلى الله الطالب للقائه، كحال العاشق المستهتر، فكما أن تفكره لا يتجاوز عن التفكر في معشوقه وجماله وفي صفاته وأفعاله وفي افعال نفسه التي تقربه منه وتحببه إليه ليتصف بها، أو التي تبعده عنه وتسقطه عن عينه ليتنزه عنها، ولو تفكر في غير ذلك كان ناقص العشق، كذلك المحب الخالص لله ينبغي أن يحصر فكره في الله وفي صفاته وأفعاله وفيما يقربه منه ويحببه إليه أو يبعده عنه، ولو تفكر في غير ذلك كان كاذبا فيما يدعيه من الشوق والحب.
ثم التفكر في ذات الله، بل في بعض صفاته مما لا يجوز، وقد منعته الشريعة الحقة الإلهية والحكمة المتعالية الحقيقية، لأن ذاته أجل من أن تكون مرقى لأقدام الأفهام، أو مرمى لسهام الأوهام، فطرح النظر إليه يورث اختلاط الذهن والحيرة، وجولان الفكر فيه يوجب اضطراب العقل والدهشة وبعض الصديقين المتجردين عن جلباب البدن لو أطاقوا إليه مد البصر فإنما هو كالبرق الخاطف، ولو تجاوزوا عن ذلك لاحترقوا من سبحات وجهه.
وحال الصديقين في ذلك كحال الإنسان في النظر إلى الشمس، فإنه وإن قدر على مد البصر إليها، إلا أن إدامته يورث الضعف والعمش، بل لا مشابهة بين الحالين، وإنما هو مجرد تقريب وتفهيم، فإن المناسبة بين نور الشمس ونور البصر في الجملة ثابتة، وأين مثل هذه المناسبة بين نور البصر ونور