فصل الخوف المذموم وأقسامه للنوع الأول أقسام يقبحها العقل بأسرها ولا يجوزها، فلا ينبغي للعاقل أن يتطرقها إلى نفسه. بيان ذلك: إن باعث هذا الخوف يتصور على أقسام:
(الأول) أن يكون أمرا ضروريا لازم الوقوع، ولم يكن دفعه في مقدرة البشر. ولا ريب في أن الخوف من مثله خطأ محض، ولا يترتب عليه فائدة سوى تعجيل عقوبة بصده عن تدبير مصالحه الدنيوية والدينية.
والعاقل لا يتطرق على نفسه مثل ذلك، بل يسلي نفسه ويرضيها بما هو كائن إدراكا لراحة العاجل وسعادة الأجل.
(الثاني) أن يكون أمرا ممكنا لم يجزم بشئ من طرفيه، ولم يكن لهذا الشخص مدخلية في وقوعه ولا وقوعه. ولا ريب في أن الجزم بوقوع مثله والتألم لأجله خلاف مقتضى العقل، بل اللازم إبقاؤه على إمكانه من دون جزم بحصوله، ف:
" لعل الله يحدث تعد ذلك أمرا " (87).
وهذا القسم مع مشاركته للأول في استلزامه تعجيل العقوبة بلا سبب، لعدم مدخليته لاختياره فيه، يمتاز عنه بعدم الجزم بوقوعه، فهو بعدم الخوف أولى منه.
(الثالث) أن يكون أمرا ممكنا فاعله هذا الشخص، وهو ناشئ عن سوء اختياره، فعلاجه ألا يرتكبه ولا يقدم على فعل يخاف من سوء عاقبته، فإنه إما فعل غير قبيح من شأنه التأدي إلى ما يضره، ولا ريب في أن ارتكاب مثله خلاف حكم العقل، ولو ظهر التأدي بعد إيقاعه فيكون من الثاني، أو فعل قبيح لو ظهر أوجب الفضيحة والمؤاخذة، وإنما فعله ظنا منه أنه لا يظهر، ثم يخاف من الظهور والمؤاخذة، ولا ريب في أن هذا الظن ناشئ عن الجهل، إذ كل فعل يصدر عن كل فاعل ولو خفية يمكن أن يظهر، وإذا ظهر يمكن إيجابه للفضيحة والمؤاخذة. والعاقل العالم بطبيعة الممكن لا يرتكب مثله، فباعث الخوف في الثاني هو الحكم على الممكن بالوجوب، وفي هذا الحكم عليه بالامتناع، ولو حكم عليه بما يقتضي