ومن يقينه يكون الموت داهية من الدواهي العظمى وما بعده أشد وأدهى، يكون أبدا محزونا مهموما.
ومن يقينه بخساسة الدنيا وفنائها، لا يركن إليها. قال الصادق (ع) في الكنز الذي قال الله تعالى:
" وكان تحته كنز لهما " (25).
" بسم الله الرحمن الرحيم: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن أيقن بالدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها ".
ومن يقينه بعظمة الله الباهرة وقوته القاهرة، يكون دائما في مقام الهيبة والدهشة. وقد ورد أن سيد الرسل - صلى الله عليه وآله وسلم - كان من شدة خضوعه وخشوعه لله تعالى وخشيته منه تعالى بحيث إذا كان يمشي يظن أنه يسقط على الأرض.
ومن يقينه بكمالاته الغير المتناهية وكونه فوق التمام، يكون دائما في مقام الشوق والوله والحب. وحكايات أصحاب اليقين من الأنبياء والمرسلين والأولياء والكاملين في الخوف والشوق وما يعتريهم من الاضطراب والتغير والتلون وأمثال ذلك في الصلاة وغيرها مشهورة، وفي كتب التواريخ والسير مسطورة، وكذا ما يأخذهم من الوله والاستغراق والابتهاج والانبساط بالله سبحانه. وحكاية حصول تكرر الغشيات لمولانا أمير المؤمنين - عليه السلام في أوقات الخلوات والمناجاة وغفلته عن نفسه في الصلوات مما تواتر عند الخاصة والعامة، وكيف يتصور لصاحب اليقين الواقعي بالله وبعظمته وجلاله وباطلاعه تعالى على دقائق أحواله، أن يعصيه في حضوره ولا يحصل له الانفعال والخشية والدهشة وحضور القلب والتوجه التام إليه عند القيام لديه والمثول بين يديه، مع أنا نرى أن الحاضر عند من له أدنى شوكة مجازية من الملوك والأمراء مع رذالته وخساسته أولا وآخرا يحصل له من الانفعال والدهشة والتوجه إليه بحيث يغفل عن ذاته.