الناس بسخط الله ولا يلومهم على ما لم يؤته الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا ترده كراهية كاره، ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ".
(ومنها) أن يكون في جميع الأحوال خاضعا لله سبحانه، خاشعا منه، قائما بوظائف خدمته في السر والعلن، مواظبا على امتثال ما أعطته الشريعة من الفرائض والسنن، متوجها بشراشره إليه، متخضعا متذللا بين يديه، معرضا عن جميع ما عداه، مفرغا قلبه عما سواه، منصرفا بفكره إلى جناب قدسه، مستغرقا في لجة حبه وأنسه. والسر أن صاحب اليقين عارف بالله وعظمته وقدرته، وبأن الله تعالى مشاهد لأعماله وأفعاله، مطلع على خفايا ضميره وهواجس خاطره، وأن:
" من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " (24).
فيكون دائما في مقام الشهود لديه والحضور بين يديه، فلا ينفك لحظة عن الحياء والخجل والاشتغال بوظائف الأدب والخدمة، ويكون سعيه في تخلية باطنه عن الرذائل وتحليته بالفضائل لعين الله الكالئة أشد من تزيين ظاهره لأبناء نوعه.
وبالجملة: من يقينه بمشاهدته تعالى لأعماله الباطنة والظاهرة وبالجزاء والحساب، يكون أبدا في مقام امتثال أوامره واجتناب نواهيه.
ومن يقينه بما فعل الله في حقه من أعطاء ضروب النعم والاحسان، يكون دائما في مقام الانفعال والخجل والشكر لمنعمه الحقيقي.
ومن يقينه بما يعطيه المؤمنين في الدار الآخرة من البهجة والسرور، وما أعده لخلص عبيده مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد، يكون دائما في مقام الطمع والرجاء.
ومن يقينه باستناد جميع الأمور إليه سبحانه، وبأن صدور ما يصدر في العالم أنما يكون بالحكمة والمصلحة والعناية الأزلية الراجعة إلى نظام الخير، يكون أبدا في مقام الصبر والتسليم والرضا بالقضاء من دون عروض تغير وتفاوت في حاله.