بالإضافة إلى العاكفين في عالم الشهادة الطالبين لإدراكه بالحواس ".
وهذا هو التوحيد في الفعل للسالكين، الذين انكشف لهم وحدة الفاعل بالمشاهدة واستماع كلام ذرات الملك والملكوت، وهو موقوف على الإيمان بعالم الملكوت والتمكن من المسافرة إليه واستماع الكلام من أهله.
ومن كان أجنبيا من هذا العالم ولم يكن له استعداد الوصول إليه ولم يمكنه أن يسلك السبيل الذي ذكرناه، فينبغي أن يرد مثله إلى التوحيد الاعتقادي الذي يوجد في عالم الشهادة، وهو أن يعلم ببعض الأدلة وحدة الفاعل، مثل أن يقال له: إن كل أحد يعلم أن المنزل يفسد بصاحبين والبلد يفسد بأميرين، فإله العالم ومدبره واحد، إذ:
" لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (37).
فيكون ذلك على ذوق ما رآه في عالم الشهادة، فينغرس اعتقاد التوحيد في قلبه بهذا الطريق بقدر عقه واستعداده، وقد كلفوا الأنبياء أن يكلموا الناس على قدر عقولهم.
ثم الحق أن هذا التوحيد الاعتقادي إذا قوي يصلح أن يكون عمادا للتوكل وأصلا فيه، إذ الاعتقاد إذا قوي عمل عمل الكشف في إثارة الأحوال، إلا أنه في الغالب يضعف ويتسارع إليه الاضطراب، فيحتاج إلى من يحرسه بكلامه، وأما الذي شاهد الطريق وسلكه بنفسه، فلا يخاف عليه شئ من ذلك، بل لو كشف له الغطاء لما أزداد يقينا وإن كان يزداد وضوحا.
(تنبيه) إعلم أن ما يبتني عليه التوحيد المذكور، أعني كون جميع الأشياء من الأسباب والوسائط مقهورات مسخرات تحت القدرة الأزلية ظاهر. وسائر ما أوردنا في هذا المقام مما ذكره أبو حامد الغزالي وتبعه بعض أصحابنا " ولا إشكال فيه إلا في أفعال الإنسان وحركاته " (38).
فإن البديهة تشهد بثبوت نوع اختيار له، لأنه يتحرك إن شاء ويسكن إن شاء، مع أنه لو كان مسخرا مقهورا في جميع أفعاله وحركاته، لزم الجبر ولم يصح التكليف والثواب والعقاب. ولتحقيق هذه المسألة موضع آخر،