فالمرتبة الأولى: كالقشرة العليا من الجوز، وكما أن هذه القشرة لا خير فيها أصلا، بل إن أكلتها فهي مر المذاق، وإن نظرت إلى باطنها فهو كريه المنظر، وإن اتخذتها حطبا أطفأت النار وأكثرت الدخان، وإن تركتها في البيت ضيقت المكان، فلا تصلح إلا أن تترك مدة على الجوز لحفظ القشرة السفلى، ثم ترمى، فكذلك التوحيد بمجرد اللسان عديم الجدوى كثير الضرر مذموم الظاهر والباطن، لكن ينفع مدة في حفظ المرتبة الثانية إلى وقت الموت. والمرتبة الثانية: كالقشرة السفلى، فكما أن هذه القشرة ظاهرة النفع بالإضافة إلى القشرة العليا، فإنها تصون اللب عن الفساد عند الادخار، وإذا فصلت أمكن أن ينتفع بها حطبا، ولكنها نازلة القدر بالإضافة إلى اللب، فكذلك مجرد الاعتقاد من غير كشف كثير النفع بالنسبة إلى مجرد نطق اللسان، إذ تحصل به النجاة في الآخرة، لكنه ناقص القدر بالإضافة إلى الكشف والعيان الذي يحصل بانشراح الصدر وانفتاحه بإشراق نور الحق فيه. والمرتبة الثالثة: كاللب، وكما أن اللب نفيس في نفسه بالإضافة إلى القشر وكأنه المقصود لكنه لا يخلو عن شرب عصارة بالإضافة إلى الدهن منه، فكذلك توحيد الفعل على طريق الكشف مقصد عال للسالكين، إلا أنه لا يخلو عن شوب ملاحظة الغير والالتفات إلى الكثرة بالإضافة إلى من لا يشاهد سوى الواحد الحق. والمرتبة الرابعة:
كالدهن المستخرج من اللب، وكما أن اللب هو المطلوب بذاته والمرغوب في نفسه، فكذلك قصر النظر على مشاهدة الحق الأول هو المقصود لذاته والمحبوب في نفسه.
" تنبيه " إن قيل: كيف يمكن تحقيق المرتبة الرابعة من التوحيد لتوقفها على عدم مشاهدة غير الواحد، مع أن كل أحد يشاهد الأرض والسماء وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة، فكيف يكون الكثير واحدا؟ (قلنا):
من تيقن أن الممكنات بأسرها إعدام صرفة في نفسها، وإن ما به تحققها من الله سبحانه، ثم أحاط على قلبه نور عظمته وجلاله بحيث بهره وغلب على قلبه الحب والأنس حتى عن غيره أغفله، فأي استبعاد في أن يوجب شدة استغراقه في لجة العظمة والجلال والكمال والجمال وغلبة الحب والأنس عليه مع عدمية الكثرة ووحدة ما به التحقق عنده ورسوخ ذلك، وارتكازه في ج: 1