اتفق عليه فرق الأنبياء وأساطين الحكماء والعلماء، وقوة عقولهم ودقة أفهامهم تأبى عن اتفاقهم على محض الخطأ. وقس على ذلك غيره مما يفيد الاطمئنان كائنا ما كان.
قال العلامة (الطوسي) - ره - في بعض تصانيفه: " أقل ما يجب اعتقاده على المكلف هو ما ترجمة قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم إذا صدق الرسول ينبغي أن يصدقه في صفات الله واليوم الآخر وتعيين الإمام المعصوم، كل ذلك مما يشتمل عليه القرآن من غير مزيد برهان: أما في صفات الله فبأنه حي عالم قادر مريد متكلم ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، وأما في الآخرة فبالإيمان بالجنة والنار والصراط والميزان والحساب والشفاعة وغيرها ولا يجب عليه أن يبحث عن حقيقة الصفات، وإن الكلام والعلم وغيرهما حادث أو قديم، بل لو لم تخطر هذه بباله ومات مات مؤمنا، فإن غلب على قلبه شك أو إشكال، فإن أمكن إزالته بكلام قريب من الأفهام وإن لم يكن قويا عند المتكلمين ولا مرضيا فذلك كاف، ولا حاجة إلى تحقيق الدليل، فإن الدليل لا يتم إلا بذكر الشبهة والجواب، ومهما ذكرت الشبهة لا يؤمن أن تتشبث بالخاطر والقلب فيظنها حقة لقصوره عن إدراك جوابها، إذ الشبهة قد تكون جلية والجواب دقيقا لا يحتمله عقله، ولذا ورد الزجر عن البحث والتفتيش في الكلام، وإنما زجر ضعفاء العوام، وأما أئمة الدين فلهم الخوض في غمرة الإشكالات. ومنع العوام عن الكلام يجري مجرى منع الصبيان عن شاطئ دجلة خوفا من الغرق، ورخصة الأقوياء فيه أيضا هي رخصة الماهر في صنعة السباحة، إلا أن ههنا موضع غرور ومزلة قدم، وهو إن كل ضعيف في عقله يظن أنه يقدر على إدراك الحقائق كلها، وإنه من جملة الأقوياء فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهالات منم حيث لا يشعرون، فالصواب منع الخلق كلهم - إلا الشاذ النادر الذي لا تسمح الأعصار إلا بواحد منهم أو اثنين - من تجاوز سلوك أهل العلم في الإيمان المرسل والتصديق المجمل بكل ما أنزل الله وأخبر به رسول الله (ص) فمن اشتغل بالخوض فيه فقد أوقع نفسه في شغل شاغل، إذ قال رسول الله (ص) حين رأى أصحابه يخوضون، بعد أن غضب حتى احمرت وجنتاه: أفبهذا أمرتم؟ تضربون