أقول: وإنما ترك آخر الحديث لأنه لا يدل على مضمون الباب، وهذه عادته كما قرر في أول كتابه وفيما أورده كفاية هنا.
واعلم أن بعض الأصحاب المعاصرين استشكل هذا الحديث جدا والذي ظهر لي في حل إشكاله وجوه:
أحدها: إنه قد تقرر أن للقرآن ظاهرا وباطنا، وأنه لا يعلم جميع معانيه إلا الأئمة (عليهم السلام)، فلعل ما ذكر معناه الباطني، وظاهره غير مراد.
وثانيها: إنه قد تقرر أيضا بالأحاديث الكثيرة، أن بعض الآيات أو أكثرها قد أريد به معنيان فصاعدا، بل سبعون معنى، فلعل هذه الآية المراد منها ظاهرها، والمعنى المروي أيضا وغيرهما.
وثالثها: أن يكون لفظ بني إسرائيل في الآية كناية عن هذه الأمة، لمشابهتهم لهم في أكثر الأحوال أو كلها كما مر، ويكون استعارة، فلا يكون المراد بها ظاهرها أصلا.
ورابعها: أن يكون المراد بها ظاهرها، وتكون في حكم بني إسرائيل، ويكون الحديث الوارد في تفسيرها المذكور هنا إشارة إلى الأحاديث السابقة: " إن كل ما كان في بني إسرائيل يكون في هذه الأمة مثله، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة " فكأنه قال: ظاهر الآية واضح، ومعناها الذي يفهم منها مراد، ونظير هذا الأمر في هذه الأمة ما ذكرنا، ثم أورد الوقائع المشابهة للوقائع السابقة في بني إسرائيل.
وخامسها: وهو أقرب مما سبق، أن تكون الآية خطابا لهذه الأمة في قوله * (لتفسدن) * و * (لتعلن) * و * (بعثنا عليكم) * و * (رددناكم) * وغيرها. ويكون المراد إنا قضينا إلى بني إسرائيل في كتابهم أنكم لابد أن تفعلوا هذه الأفعال يعني أخبرناكم بأحوالكم وما تفعلون، وما يكون عاقبة أموركم والله أعلم.
الثاني عشر: ما رواه رئيس المحدثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب