العرب الضمة في حروف وكسرت ميمها وأصلها الضم، من ذلك مصحف ومخدع ومجسد ومطرف ومغزل؛ لأنها في المعنى أخذت من أصحف أي جمعت فيه الصحف، وكذلك المغزل إنما هو من أغزل، أي: قتل وأدير فهو مغزل.
وفي كتاب لقوم من اليهود: عليكم كذا وكذا وربع المغزل، أي ربع ما غزل نساؤكم.
قال ابن الأثير: هو بالكسر: الآلة، وبالفتح: موضع الغزل، وبالضم: ما يجعل فيه الغزل، وقيل: هو حكم خص به هؤلاء.
والمغيزل: حبل دقيق.
قال ابن سيده: أراه شبه بالمغزل لدقته، قال ذلك الحرمازي، وأنشد:
وقال اللواتي كن فيها يلمنني * لعل الهوى يوم المغيزل قاتله (1) ومغازلة النساء: محادثتهن ومراودتهن، والاسم الغزل، محركة، وقد غزل غزلا، وغازلها مغازلة. وقال ابن سيده: الغزل: اللهو مع النساء، كالمغزل، كمقعد، وأنشد:
تقول لي العبرى المصاب حليلها * أيا مالك هل في الظعائن مغزل؟ (2) قال شيخنا: ظاهره أن الغزل هو محادثة النساء، ولعله من معانيه، والمعروف عند أئمة الأدب وأهل اللسان أن الغزل والنسيب: هو مدح الأعضاء الظاهرة من المحبوب، أو ذكر أيام الوصل والهجر، أو نحو ذلك كما في عمدة ابن رشيق، وبسطه بعض البسط الشيخ ابن هشام في أوائل شرح الكعبية، انتهى.
قلت: نص ابن رشيق في العمدة: والنسيب والغزل والتشبيب كلها بمعنى واحد.
وقال عبد اللطيف البغدادي في شرح نقد الشعر لقدامة: يقال: فلان يشبب بفلانة، أي ينسب بها، ولتشابههما لا يفرق اللغويون بينهما، وليس ذلك إليهم.
قال العلامة عبد القادر بن عمر البغدادي في حاشيته على شرح ابن هشام على الكعبية: إن التشبيب إنما هو ذكر صفات المرأة، وهو القسم الأول من النسيب، فلا يطلق التشبيب على ذكر صفات الناسب ولا على غيره من القسمين الباقيين، والتغزل بمعنى النسيب في الأقسام الأربعة، فيقال لكل منهما تغزل، كما يقال له نسيب، والتغزل: ذكر الغزل، فالغزل غير التغزل والنسيب.
وقال عبد اللطيف البغدادي في شرحه على نقد الشعر لقدامة: اعلم أن النسيب والتشبيب والغزل ثلاثتها متقاربة، ولهذا يعسر الفرق بينهما حتى يظن بها أنها واحد.
ونحن نوضح لك الفرق، فنقول: إن الغزل هو الأفعال والأحوال والأقوال الجارية بين المحب والمحبوب نفسها، وأما التشبيب فهو الإشادة بذكر المحبوب وصفاته، وإشهار ذلك، والتصريح به، وأما النسيب فهو ذكر الثلاثة أعني حال الناسب والمنسوب به، والأمور الجارية بينهما، فالتشبيب داخل في النسيب، والنسيب: ذكر الغزل.
قال قدامة: والغزل إنما هو التصابي والاستهتار بمودات النساء، ويقال في الإنسان إنه غزل: إذا كان متشكلا بالصبوة التي تليق بالنساء وتجانس موافقاتهن بالوجد الذي يجده بهن إلى أن يملن إليه، والذي يميلهن إليه هو الشمائل الحلوة، والمعاطف الظريفة، والحركات اللطيفة، والكلام المستعذب، والمزح المستغرب.
قال الشارح المذكور: ينبغي أن يفهم أن الغزل يطلق تارة على الاستعداد بنحو هذه الحال، والتخلق بهذه الخليقة، ويطلق تارة أخرى على الانفعال بهذه الحال، كما يقال: الغضبان، على المستعد للغضب، السريع الانفعال به، وعلى من انفعل له، وخرج به إلى الفعل، فقوله: الغزل إنما هو التصابي، يريد به التخلق والانفعال، وقوله: إذا كان متشكلا بالصبوة، يريد به الاستعداد، انتهى. والتغزل: التكلف له، أي للغزل، وقد يكون بمعنى ذكر الغزل، فالغزل غير التغزل، كما تقدم قريبا.