قال: وسار قيس بن هبيرة على مقدمة المسلمين حتى وافى قرماسين وبها يومئذ قائدان عظيمان من قواد الأعاجم، أحدهما شادوه بن آزاد مرد الذي هرب من حلوان، والآخر مهرويه بن خسروان فهما جميعا في عشرين ألفا من الفرس، فلما أن علما أن خيل المسلمين قد شارفت أرض قرماسين خرجا هاربين عنها حتى نزلا بموضع يقال له ماذران (1)، ودخل قيس بن هبيرة إلى قرماسين فنزلها، قال: وكانت قرماسين مصلحة للفرس ومنتزها لكسرى (2)، قال: وسار النعمان بن مقرن من حلوان حتى نزل قرماسين، وبلغ ذلك الفرس ممن كان خارجا عن أرض نهاوند فامتلأت قلوبهم خوفا ورعبا، ثم إنهم تفلتوا من جميع المواضع حتى صاروا إلى نهاوند فاحتشدوا بها، ثم إنهم اجتمعوا وتحالفوا وتعاقدوا على أنهم لا يفرون أبدا دون أن يبيدوا العرب عن آخرهم.
قال: وسار النعمان بن مقرن في جميع المسلمين حتى نزل بأرض ماذران، ثم دعا بهذين الرجلين بكير بن شداخ الليثي وطليحة بن خويلد الأسدي (3) فأرسلهما جميعا نحو أرض نهاوند وأمرهما أن يتجسسا الاخبار عن الفرس، فمضيا جميعا، فأما بكير بن شداخ فإنه رجع إلى المسلمين، وأما طليحة بن خويلد فإنه مضى نحوه حتى تقارب من أرض نهاوند (4) وتعرف أخبار الفرس ثم رجع، فلما دخل العسكر كبر المسلمون من كل ناحية، فقال طليحة: ما هذا التكبير؟ فقالوا: إنك قد أبطأت علينا فظننا والله أنك قد رغبت عن دين الاسلام وصرت إلى دين هؤلاء الأعاجم (5)، قال: فغضب طليحة بن خويلد من ذلك ثم قال: سبحان الله العظيم، أو يحسن هذا بمثلي؟ والله! أن لو لم يكن لي دين أعتمد عليه إلا أني عربي فقط لما كنت بالذي