بأصحابه: احملوا على هؤلاء الكلاب! قال: فحمل القوم بعضهم على بعض، فاقتتلوا قتالا شديدا (1)، وجعل الأشتر يقول لأصحابه: ويلكم! أروني أبا الأعور هذا الذي بدأنا به معاوية حتى أنظر إليه، فقالوا: هو الواقف على التل صاحب الفرس الأشقر، فقال الأشتر لرجل من أصحابه يقال له سنان بن مالك [النخعي]: اذهب إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة! فقال له سنان: إلى مبارزتك أو إلى مبارزتي؟
فقال الأشتر: ولو أمرتك بمبارزته لفعلت؟ قال: نعم، والذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم هذا بسيفي لما رجعت عنهم أو أضرب فيهم ضربا يرضيك ذلك مني! فقال له الأشتر: يا بن أخ! والله لقد زدتني فيك رغبة! ولكني لا آمرك بمبارزته، إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي، وذلك أنه لا يبارز إلا ذوي الأسنان والأكفاء من الفرسان، وأنت بحمد الله من الكرامة والشرف، ولكنك حدث السن، وأعلم أنه لا يبارزك، ولكن أذهب إليه وادعه إلى مبارزتي.
قال: فأقبل الفتى حتى وقف قريبا من عسكر أهل الشام ثم قال: إني رسول ولا تؤذوني، فقال له أهل الشام: أنت آمن فهلم وقل ما أحببت، قال: فجاء الفتى إلى أبي الأعور فقال: إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته، قال: فسكت أبو الأعور ساعة ثم قال: إن جهل (2) الأشتر وسوء رأيه هو الذي حمله على ما فعل (3) بعثمان بن عفان، أنه قبح محاسنه وأظهر عداوته، ثم سار إليه في داره وقراره حتى قتله، انصرف عني فلا حاجة لي في مبارزته، فقال سنان: إنك قد تكلمت فاسمع الجواب (4)، فقال: لا حاجة لي في جوابك، انصرف من حيث جئت.
قال: فرجع سنان إلى الأشتر فأخبره بذلك، فتبسم الأشتر وقال: إنه نظر لنفسه، ولو بارزني لبريت يديه، ولكن احملوا عليهم! قال: فحملت أهل العراق على أهل الشام واقتتلوا قتالا عظيما يوم ذلك إلى الليل.
فلما كان وجه السحر انهزم أبو الأعور في أصحابه، حتى سار إلى معاوية فأخبره بما كان من أمره، فقال معاوية: فكيف رأيت حرب القوم؟ فقال: يا معاوية