أشراف الناس، قال: واستقبله أهل الكوفة يهنئونه ويدعون له بالبركة، ثم قال له أصحابه: يا أمير المؤمنين! أتنزل القصر؟ قال: لا، ذاك قصر خيال، ولكن أنزل الرحبة، ثم أقبل فنزلها، وحطت الأثقال، ودخل علي رضي الله عنه إلى المسجد الأعظم فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وقال (1): الحمد لله الذي نصر وليه وخذل عدوه، وأعز الصادق المحق وأذل الناكث المبطل، ألا! وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل (2)، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الامل فينسي الآخرة، ألا! وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة (3) والآخرة عن قريب مقبلة، ولكل واحدة منها (5) بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، واليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، فإياكم يا أهل الكوفة وطاعة الله، وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم، الذين هم أولى بطاعتكم من المستحلين المدعين من الحق ما ليس لهم، فقد ذاقوا وبال ما اجترموا، فسوف يلقون غيا، ألا! وإنه قد قعد عن نصرتي رجال منكم وأنا عليكم عاتب، فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ونرى منهم ما نرضى.
قال: فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي وقال (6): والله يا أمير المؤمنين! إني لأرى الهجران لهم والاسماع لهم ما يكرهون قليلا بقعودهم عن نصرتك، ووالله لئن أمرتنا لنقتلنهم! فقال علي رضي الله عنه: سبحان الله يا مالك! لقد جزت المدى وتعديت الحد وأغرقت في النزع، وليس هكذا قال الله تعالى، إنما قال: (النفس بالنفس) (7) وقال تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا *) (8)