من الخبر أني قد تركت بالشام خمسين ألف شيخ خاضبين لحاهم بدموع أعينهم على قميص عثمان، وأنهم قد عاهدوا الله عز وجل أنهم لا يشيمون سيوفهم في أغمادهم أبدا حتى يقتلوا من قتل عثمان، يوصي به الميت الحي ويرثه الحي عن الميت ، حتى والله لقد شب عليه الصغير وهاجر عليه الاعرابي، نعم والله وحتى أن الناس قد كانوا يقولون: تعس الشيطان! والآن فهم يقولون تعس قاتل عثمان بن عفان! قال فقال له علي: ويحك! يا أخا بني عبس! فيريدون بذلك ماذا؟ فقال العبسي:
يريدون والله خيط رقبتك! فقال له علي رضي الله عنه: تربت يداك وجدب فوك.
قال: ثم وثب إليه رجل يقال له صلة بن زفر العبسي وهو صاحب حذيفة بن اليمان فقال له: بئس الوافد أنت يا أخي بني عبس لأهل الشام، وبئس العون لمعاوية! أتخوف المهاجرين والأنصار ببكاء الرجال على قميص عثمان! فو الله ما قميص عثمان بقميص يوسف ولا بكاؤهم عليه كبكاء يعقوب! ولئن بكوا عليه بالشام فقد خذلوه بالحجاز، وأما قتالهم أمير المؤمنين عليا فإن الله عز وجل يصنع في ذلك ما يحب ويرضى.
قال: وهم الناس بالعبسي وقاموا إليه بالسيوف، فقال علي رضي الله عنه:
دعوه فإنه رسول، ولكن خذوا منه الكتاب، قال: فأخذ الكتاب من يده ودفع إلى علي، فلما فضه لم ير فيه شيئا أكثر من (بسم الله الرحمن الرحيم)، قال: فعلم أن معاوية يحاربه وأنه لن يجيبه إلى شيء، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حسبي الله ونعم الوكيل، فأنشأ قيس بن سعد بن عبادة وهو يرتجز ويقول شعرا.
قال: ثم إن العبسي رسول معاوية قام إلى علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! والله لقد أقبلت وأنا من أشد الناس عليك حنقا لما أخبرني عنك أهل الشام، وقد والله أبصرت الآن ما فيه أهل الشام من الضلال وما أنت فيه من الهدى، ولا والله ما كنت بالذي أفارقك أبدا ولا أموت إلا تحت ركابك! ثم إنه كتب إلى معاوية أبياتا مطلعها:
كدت أهل العراق بالبلد الشا * م شفاها وكان كيدي ضعيفا إلى آخرها.