يذكر أنه لما فرغ علي بن أبي طالب من أمر البصرة في يوم الجمل وخطب الناس وذكر من أمر الملاحم والفتن ما ذكر ثم نزل عن المنبر وذلك في وقت الظهر قام إليه عمار بن ياسر فقال: يا أمير المؤمنين! إن الناس قد اختلفوا، فقائل منهم يقول:
بأنك تريد المقام بالبصرة، وقائل يقول: بأنك منصرف إلى الكوفة، وقد أرجف نفر من أهل عسكرك بأنك تريد الشام، ووالله يا أمير المؤمنين! لقد بايعناك ونحن لا نرى أحدا يقاتلك، ثم قاتلك من بايعك فأعطاك الله ما وعدك، وقد قال الله عز وجل:
(ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) (1) ثم قال: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) (2) ثم قال: (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (3) وقال: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (4)، وقد كانت الكوفة لنا والبصرة علينا، فأصبحنا بحمد الله على ما نحب من ماض مأجور وراجع معذور، وقد علمت أن بالشام الداء العضال، معاوية بن أبي سفيان، وهو رجل لا يسلم ما في يديه أبدا إلا مغلوبا أو مغلولا أو مسلوبا [أو] مقتولا، فعاجله (5) قبل الفكر وانهض إليه قبل الحذر.
ثم قام الأشتر النخعي فقال: يا أمير المؤمنين إنما ينبغي لنا أن نقول قبل أن تعزم، فإذا عزمت لم نقل، ولو سرت بهذا الجيش إلى الشام لم يلقك بمثله أبدا، فسر (6) بنا إلى القلوب القاسية والابصار العمية.
ثم وثب رجل من عبد القيس وأنشد شعرا لعلي وجعل يحرضه على ذلك.
فنادى علي في الناس بالرحيل، فرحل الناس من البصرة إلى الكوفة فدخلوها يوم الاثنين لستة عشر يوما خلت (7) من شهر رجب سنة ست وثلاثين، ومعه يومئذ