هؤلاء! إنكم قد قتلتم الرجل فدعونا نحمله فنصلي عليه! فقالت الأنصار ومن هنالك: كلا والله لا ندعكم تصلون عليه حتى يبايع الناس رجلا نرتضيه، فقال أبو جهم بن حذيفة: إنكم لم تدعونا نصلي عليه فإن الله وملائكته قد صلوا عليه، فقال له الحجاج بن [عمرو بن] غزية الأنصاري: إن كنت كاذبا أدخلك الله مدخله! فقال أبو جهم: نعم وحشرني الله معه! قال: فقال له رجل من البصريين: لا عليك!
فإن الله عز وجل حاشرك معه ومع الشيطان الرجيم، والله إن تركنا إياك من غير أن نلحقك به لعجز، قال: فقال له أصحابه: ويحك أبا جهم! أما لك في نفسك حاجة؟ دع القوم وامض لشأنك! فانصرف أبو جهم وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فتلقاه حسان بن ثابت وقال: ما وراءك يا أبا جهم؟ فقال: ورائي والله أن عثمان بن عفان في داره مقتول وقد منعنا أن نصلي عليه! فقال له حسان بن ثابت:
عن قريب ترى غب هذا أبا جهم! فانصرف إلى منزلك ولا تعرض نفسك لهؤلاء الغاغة، فإنه من يقدر على عثمان فيقتله يهون عليه قتل غيره من الناس.
قال: فانصرف أبو جهم إلى منزله، وأنشأ حسان بن ثابت قصيدة (1):
من سره الموت صرفا لا مزاج له * فليأت مأدبة (2) في دار عثمانا مستشعري حلق الماذي قد سفعت (3) * قبل المخاطم بيض زان أبدانا رضيت حقا (4) بأهل الشام نافرة * وبالامير وبالاخوان إخوانا إني لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا * ما دمت حيا وما سميت حسانا يا ليت شعري وليت الطير تخبرني * ما كان شأن علي وابن عفانا لتسمعن وشيكا في دياركم (5) * خيلا تكدس تحت النخع فرسانا