يا أمير المؤمنين! إن حقك اليوم على كل مسلم كحق الوالد على الولد، فأمرني بأمرك! فقال له عثمان: تخرج إلى هؤلاء القوم تكلمهم، فعسى الله تبارك وتعالى أن يجري على يديك خيرا أو يدفع بك شرا.
قال: فخرج عبد الله بن سلام إلى الناس، فلما نظروا إليه ظنوا أنه إنما جاء ليكون معهم، فرحبوا به وأوسعوا له في المجلس، فلما جلس حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ثم وعظهم وذكرهم وقال (1): أيها الناس! إن الله تبارك وتعالى اختار من الأديان كلها دين الاسلام، ثم اختار لدينه رسولا جعله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ثم اختار له من البقاع المدينة فجعلها دار الهجرة ودار الاسلام، فلم تزل الملائكة تحف بها مذ سكنها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومكم هذا وما زال سيف الله مغمودا عنكم، فأنشدكم الله أن لا تطردوا جيرانكم من الملائكة وأن لا تسلوا سيف الله المغمود، فإن الله عز وجل سيفا لم يسله قط على قوم حتى يسلوه على أنفسهم، فإذا سلوه لم يغمده عنهم إلى يوم القيامة، فإياكم وقتل هذا الشيخ! فإنه خليفة، ووالله! ما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفا من أمته عقوبة لهم، ولا قتل خليفة من بعده إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا، فاتقوا الله ربكم في هذا الشيخ. قال: فنادوه من كل جانب: كذبت يا يهودي! فقال عبد الله بن سلام: بل كذبتم أنتم، لست بيهودي ولكني تركت اليهودية وتبرأت منها واخترت الله ورسوله ودار الهجرة والسلام، وقد سماني الله تبارك وتعالى بذلك مؤمنا، فقال عز وجل فيما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم) (2) ولقد أنزل الله تعالى آية أخرى إذ يقول الله عز وجل: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (3).
قال: ثم وثب عبد الله بن سلام من عند القوم فصار إلى عثمان فأخبره بذلك، فبقي عثمان لا يدري ما يصنع.