احفظ القميص الذي ألبسك الله إياه ولا تنزعه وقل لأولئك القوم: بيني وبينكم كتاب الله وسنة نبيه. وعلى كل حال لا أرغب في خلافكم (فإن هم رضوا بذلك فيها ونعمت، وإلا فقد أديت ما عليك، وليكن من أمرهم ما يكون).
فوقع هذا الكلام من عثمان موقعا حسنا. ثم طلب المغيرة بن شعبة وقال له:
اذهب إلى أولئك القوم واسترضهم. وتعهد لهم بأداء كل ما يطلبونه. وأخبرهم بأن عثمان يحتكم وإياهم إلى كتاب الله وسنة رسوله (وفي كل حال لا يود خلافكم) فقال المغيرة: أفعل. فذهب إليهم وحين اقترب منهم صاحوا به: ارجع يا أعور ارجع يا فاسق ارجع يا فاجر. فقال المغيرة وأخبر عثمان بما أسمعوه إياه.
ثم استدعى عثمان عمرو بن العاص وحمله إليهم الرسالة السابقة. فكان ردهم عليهم أقبح وقالوا له: لا سلام عليك ارجع يا عدو الله يا بن النابغة فلست عندنا بمأمون ولا نثق بك. فعاد عمرو بن العاص وأخبر عثمان بما لقي منهم. حينئذ قال عبد الله بن عمر: يا أمير المؤمنين، إن أولئك القوم لم يستمعوا إلا لعلي بن أبي طالب فإن أرسلته إليهم يمكن أن يسمعوا كلامه فيطيعوا الامر] (1).
قال: فأرسل عثمان إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فدعاه فقال: يا أبا الحسن أنت لهؤلاء القوم فادعوهم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه واكفني مما يكرهون، فقال له علي: إن أعطيتني عهد الله وميثاقه أنك توفي لهم بكل ما أعطيهم فعلت ذلك، فقال عثمان: نعم يا أبا الحسن، اضمن لهم عني جميع ما يريدون.
قال: فأخذ علي عليه عهدا غليظا وميثاقا مؤكدا، ثم خرج من عنده فأقبل نحو القوم (2)، فلما دنا منهم قالوا: ما وراءك يا أبا الحسن فإننا نجلك، فقال: إنكم تعطون ما تريدون وتعافون من كل ما أسخطكم ويولى عليكم من تحبون ويعزل عنكم من تكرهون، فقالوا: ومن يضمن لنا ذلك؟ قال علي: أنا أضمن لكم ذلك، فقالوا: رضينا (3).