ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون الا قليلا. قال وأصحابه الذين نازعوا في الأنفال وطلبوها لأنفسهم حتى انزل الله تعالى: قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين وهم الذين إلتووا عليه في الحرب يوم بدر وكرهوا لقاء العدو حتى خيف خذلانهم وذلك قبل أن تتراءى الفئتان وانزل فيهم: يجادلونك في الحق بعد ما تبين لهم كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون. وهم الذين كانوا يتمنون لقاء العير دون لقاء العدو حتى أنهم ظفروا برجلين في الطريق فسالوهما عن العير فقالوا لا علم لنا منها وانما رأينا جيش قريش من وراء ذلك الكثيب فضربوهما ورسول الله ص قائم يصلي فقالا بل العير امامكم فاطلبوها فلما رفعوا الضرب عنهما قالا والله ما رأينا العير ولا رأينا الا الخيل والسلاح والجيش فأعادوا الضرب عليهما فقالا العير امامكم فخلوا عنهما فانصرف ص من الصلاة فقال إذا أصدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما ونزل قوله تعالى: وإذ يعدكم الله إحدى الكائنتين انها لكم وتودون غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. وكان ص قد وعدهم بإحدى الكائنتين فكرهوا الحرب وأحبوا الغنيمة وهم الذين فروا عنه يوم أحد واسلموه واصعدوا الجبل وتركوه حتى شج الأعداء وجهه وكسروا ثنيته وضربوه على البيضة حتى وقع عن فرسه إلى الأرض وهو يستصرخ بهم ويدعوهم فلا يجيبه أحد منهم الا من كان جاريا مجرى نفسه وشديد الاختصاص به وذلك قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم. اي ينادي فيمنع نداءه آخر الهاربين لأن أولهم اوغلوا في الفرار ومنهم الذين عصوا امره ذلك اليوم حيث أقامهم على الشعب ورغبوا في الغنيمة ففارقوا مركزهم حتى دخل الوهن على الاسلام بطريقهم وذلك قوله تعالى. حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة. وهم الذين عصوا امره في غزاة تبوك بعد أن اكد عليهم الأوامر فلم يشخصوا معه فأنزل فيهم: يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة الا قليل الا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير. وهذه الآية خطاب مع المؤمنين لا مع المنافقين ثم اكد عتابهم وتقريعهم بقوله تعالى: لو كان عرضا قريبا أو سفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون.
ثم عاتب رسوله ص على إذنه لهم في التخلف وانما أذن لهم لعلمه انهم لا يجيبونه فأراد أن تكون له المنة عليهم فقال: عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذي صدقوا وتعلم الكاذبين. وكانوا وعدوه بالخروج معه كلهم وكان بعضهم ينوي عدم الوفاء بالوعد ثم قال: لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين انما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون وقال لهم يوم الحديبية احلقوا وانحروا مرارا فلم يفعلوا، وقال له بعضهم وهو يقسم الغنائم: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل. وقالت الأنصار له مواجهة يوم حنين: أ تأخذ ما أفاء الله علينا بسيوفنا فتدفعه إلى أقاربك من أهل مكة، وقال لهم في مرض موته: إئتوني بدواة وكتف اكتب لكم ما لا تضلون بعده فلم يأتوه بذلك وقالوا ما قالوا وهو يسمع.
قال وكان أبو جعفر يقول: من هذا ما يطول شرحه وكان يقول من تأمل حال الرجلين وجدهما متشابهين في جميع أمورهما أو في أكثرها لان حرب رسول الله ص مع المشركين كانت سجالا انتصر يوم بدر وانتصر عليه المشركون يوم أحد وكان يوم الخندق كفافا فقتلوا رئيس الأوس سعد بن معاذ وقتل فارس قريش عمرو بن عبد ود وكان الظفر له يوم الفتح وهكذا كانت حروب علي ع انتصر يوم الجمل وفي حرب صفين قتل من أصحابه رؤساء ومن أصحاب معاوية رؤساء وكان الظفر له يوم النهروان ومن العجب أن أول حروب رسول الله بدر وكان هو المنصور فيها وأول حروب علي الجمل وكان هو المنصور فيها ثم كان من صحيفة الصلح والحكومة يوم صفين نظير ما كان يوم الحديبية ثم دعا معاوية في آخر أيام علي إلى نفسه وتسمى بالخلافة كما دعا مسيلمة والأسود العنسي إلى نفسيهما في آخر أيام رسول الله وتسميا بالنبوة وأبطل الله امرهما بعد وفاة النبي ص وبطل أمر معاوية وبني أمية بعد وفاة علي ع ولم يحارب الله ص أحد من العرب الا قريش عدا يوم حنين ولم يحارب عليا أحد من العرب الا قريش عدا يوم النهروان ومات علي شهيدا بالسيف ومات رسول الله ص شهيدا بالسم، وهذا لم يتزوج على خديجة أم أولاده حتى ماتت وهذا لم يتزوج على فاطمة أم أشرف أولاده حتى ماتت، ومات رسول الله ص عن ثلاث وستين سنة ومات علي عن مثلها.
وكان يقول: انظروا إلى أخلاقهما وخصائصهما هذا شجاع وهذا شجاع وهذا فصيح وهذا فصيح وهذا سخي وهذا سخي جواد وهذا عالم بالشرائع والأمور الإلهية وهذا عالم بالفقه والشريعة والأمور الإلهية الدقيقة الغامضة وهذا زاهد في الدنيا غير نهم عليها ولا مستكثر منها وهذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتع بلذاتها وهذا مدئب لنفسه في الصلاة والعبادة وهذا مثله وهذا ابن عبد المطلب بن هاشم وهذا في قعدده وأبواهما اخوان لأب وأم دون غيرهما وربي محمد في حجر أبي طالب فكان كأحد أولاده ولما كبر وشب استخلصه من بني أبي طالب وهو غلام فرباه في حجره فامتزج الخلقان وتماثلت السجيتان وإذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك بالتربية والتثقيف الدهر الطويل فواجب كون أخلاق محمد ص كاخلاق أبي طالب واخلاق علي كاخلاق أبي طالب أبيه ومحمد مربيه وأن يكون الكل شيمة واحدة ونفسا غير منقسمة ولا متجزية وأن لا يكون بينهم فرق ولا فضل لولا أن الله اختص محمدا برسالته واصطفاه لوحيه فامتاز بذلك على من سواه وبقي ما عدا الرسالة على أمر الاتحاد وإلى هذا المعنى أشار ص بقوله لعلي: أخصمك بالنبوة فلا نبو بعدي وتخصم الناس بسبع. وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي. فأبان نفسه منه بالنبوة وأثبت له ما عداها من الفضائل والخصائص.
ثم حكى عنه أنه سأله عن رأي المعتزلة فاجابه أن الذي استقر عليه رأيهم بعد اختلاف كثير أن عليا أفضل الجماعة وأنهم تركوا الأفضل لمصلحة وأنه لم يكن هناك نص وإنما كانت إشارة وايماء وأن عليا نازع ثم بايع.
فقال قد بقي بيني وبينكم قليل انا اذهب إلى النص وأنتم لا تذهبون إليه فقلت له أنه لم يثبت النص عندنا بطريق يوجب العلم وما تذكرونه أنتم صريحا فأنتم تنفردون بنقله وما عدا ذلك من الاخبار التي نشارككم فيها