مقربة له إلى جنابه سبحانه مع اعتقاده كون مثل ذلك بدعة وضلالة؟! فاتيانه بذلك على تقديره يكون على طريق الاستهزاء والسخرية، وما أرى مثل هذه الدعوى من نحو هذا الفاضل إلا غفلة واضحة، نعم قد تحصل له نية القربة في بعض الخصال إذا كانت عنده وفي شرعه مقربة، ولكن مثل هذه القربة غير كافية، بل لا بد من نية القربة التي هي القصد إلى امتثال أمر الكفارة، ولذا إن أحدنا لو صام ندبا من دون نية التكفير لم يجز عنه إجماعا.
قلت: وكأنه لذلك فصل الشهيد في غاية المراد بين العتق للكفارة من الكافر غير الجاحد لله تعالى والعتق لغيرها، فأبطل الأول وصحح الثاني، قال بعد أن حكى الخلاف في صحة مباشرة الكافر العتق وعدمها عن الشيخ فصححه، وعن ابن إدريس والمصنف فأفسده: " ومبناه على مقدمات: (الأولى): هل نية القربة معتبرة في العتق أم لا؟ الحق نعم، لقولهم عليهم السلام (1): " لا عتق إلا ما أريد به وجه الله " إلى أن قال (الثانية): - هل المعتبر في نية القربة ما يترتب عليه الثواب أو مطلق التقرب إلى الله تعالى؟ يحتمل الأول، لأنه عبادة، وكل عبادة يترتب عليها استحقاق الثواب بفعلها صحيحة، ويحتمل الثاني لأن الدليل على صحة العتق إذا أريد به وجه الله تعالى، وهو أعم من ترتب الثواب وعدمه. (الثالثة): هل يعتبر في التقرب معرفة الله أم يكفي التقليد؟ يحتمل الأول، لأن هذه المعرفة ليست حقيقة، فليس ثم مقصود، ويحتمل الثاني، لصدق أنه قصد وجه الله - ثم قال -: إذا عرفت ذلك فنقول: الأصحاب جوزوا وقف الكافر وصدقته، مع أنهما مشروطان بنية القربة، وهو يشعر باختيارهم الثاني من الاحتمالين، فحينئذ يصح عتق الكافر، وإن قلنا بأول الاحتمالين لا يصح، ثم اعلم أن الكفر بسبب إنكار واجب الوجود تعالى وإقامة الشبهة على إنكاره لا يصح معه شئ من العبادات، لزوال جميع المقدمات، وأما لو لم يكن شبهة بل مجرد إنكار قلد فيه فيصح على الثاني