فيما ليس له تعلق بتبليغ الأحكام الشرعية كتدبير الحرب واستصلاح الجيش ونصب العمال وعزلهم وما أشبه ذلك، وأما ما يتعلق بالأحكام الشرعية وتبليغها فقد أوجبوا العصمة فيها، لأن الخطأ فيها مناف لما يقتضيه المعجزة من وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وآله فيما يبلغه عن الله تعالى، والقول بجواز صدور الخطأ فيها عنه سهوا كما يعزى إلى شذوذ مباهتة بينة لا يلتفت إليها، لاقتضائه إفحام النبي صلى الله عليه وآله وعجزه عن تسجيل الأحكام لاحتمال السهو والاشتباه وعدم اندفاعه إلا بالعصمة.
بل قيل: إن المستفاد من كلام الآمدي في الأحكام وغيره إجماع القائلين بجواز الخطأ على النبي صلى الله عليه وآله على أنه لا يقرر عليه، بل ينبه على خطائه، فتحليله المتعة لو كان خطأ لوجب أن ينبه عليه وأن يعدل عنه.
وأيضا فالكتاب العزيز دال على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وآله ﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله﴾ (١) ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا﴾ (٢) ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾ (٣) ﴿وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا﴾ (٤) ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا﴾ (5) إلى غير ذلك فإن كان وجوب هذه الطاعة لعصمة ربانية تمنعه عن الخطأ والخطيئة كما هو مذهب الإمامية فالأمر واضح، وإن كان لأمر آخر غير العصمة يجتمع مع انتفائها وجب القول بتحريم مخالفته في أحكامه وإن كانت صادرة عن اجتهاد.
كل ذلك مضافا إلى ما يعلم من تتبع السير وتصفح آثار السلف اتفاق الصحابة والتابعين على نفي الاجتهاد والرأي مع ورود النص عن النبي صلى الله عليه وآله وظهور حكمه