إن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال: بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق " أي غير مستأصل للمال، ولا واق بماله مالك.
نعم لو لم يكن لفعله أجرة في العادة كوضع الدارهم والدنانير عنده، أو كان المال قليلا غير محتاج إلى عمل له أجرة يعتد بها عرفا لم يأخذ شيئا، على ما أومأ إليه في بعض النصوص السابقة، كما أنه ينبغي له التعفف لو كان غنيا غير محتاج كي يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن قوته وقوت الواجبي النفقة، فإن الآية وإن اشتملت على الأمر الظاهر في الوجوب خصوصا في أوامر الكتاب، لكن المادة تشعر بالندب، فيضعف الظن بإرادته منه على وجه يعارض ما سمعته من القاعدة والصحيح وغيرهما، سيما في الأعمال التي لا يجب عليه مباشرتها، كالتنمية ونحوها، فدعوى أن له بذل الأجرة للغير دون نفسه واضحة الفساد، بل هي كذلك في كل عمل كان له ذلك فيه، ضرورة عدم الفرق بينه وبين غيره في ذلك، بل لعله أولى باعتبار بقاء نظره على مال الطفل واحتياطه عليه.
ومن ذلك يظهر لك ضعف التفصيل بين الفقير والغني في الاستحقاق وعدمه كما أن منه يظهر لك ضعف مستند الأقوال البقية التي وجهها الأخذ بالآية، وما ورد في تفسيرها في خصوص الفقير، أو الجمع بينها وبين ما دل على وجوب الأجرة بأخذ الأقل منهما الذي هو الأحسن في مال الطفل المنهي عن القرب إلى ماله إلا بالتي هي أحسن (1)، ولأن الكفاية إن كانت أقل من الأجرة فمع حصولها يكون غنيا يجب عليه الاستعفاف، وإن كانت الأجرة أقل فهو لا يستحق الأزيد في البالغ، فضلا عن اليتيم، واستجوده في المسالك لو تحقق للكفاية معنى مضبوط، قال: " لأنه إن أريد بالأكل بالمعروف المتعارف كما يظهر من الآية والرواية وجعل مختصا بالولي لا يتعدى إلى عياله، فلا منافاة بين الفقر وحصول الكفاية منه بهذا الاعتبار حينئذ، لأن حصول القوت محتاج إلى مؤنة السنة من نفقة وكسوة ومسكن وغيرها حتى يتحقق ارتفاع الفقر، إذ لم يشترط حصول ذلك في