وفيه أن ذلك كله كالاجتهاد في مقابلة النص، ضرورة الخروج عن الأصل المزبور بالدليل من النص والاجماع وغيرهما، والحرج والضرر مع فرض عدم إمكان تحملهما يسقط التكليف معهما، كما عن التنقيح التصريح به، وهو غير ما نحن فيه، وإلا لم يكن بهما بأس بعد قيام الدليل، وعدم الصراحة لو سلم لا ينفي أصل الاستدلال، إذ أكثر الفقه مبني على الظواهر، والمحملان لو سلم إمكان الجميع لهما، إنما يرتكبان بعد قوة المعارض وليست، بل الأمر بالعكس كما عرفت.
ومما ذكرنا في الحرج والضرر، يعلم ما في المسالك حيث أنه بعد أن مال إلى قول الفاضل قال: " ولو حصل للوصي ضرر ديني، أو دنيوي، أو مشقة لا يحتمل مثلها عادة، أو لزم من تحملها ما لا يليق بحاله من شتم ونحوه، قوى جواز الرجوع " وظاهره أنه كذلك على القولين، إلا أن المتجه بناء على عدم جواز الرجوع الاقتصار في الضرورة على قدرها، لا رد الوصية وفسخها كما ستعرفه في مسألة العجز وغيره من نظائر المسألة، بل في خبر إسماعيل قال (1): " سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل حضره الموت فأوصى إلى ابنه وأخويه شهد الابن وصيته، وغاب الاخوان فلما كان بعد أيام أبيا أن يقبلا الوصية، مخافة أن يثوثب عليهما ابنه، ولم يقدرا أن يعملا بما ينبغي، فضمن لهما ابن عم لهما، وهو مطاع فيهم أن يكفيهما ابنه فدخلا بهذا الشرط فلم يكفهما ابنه، وقد اشترطا عليه ابنه، فقالا نحن براء من الوصية، ونحن في حل من ترك جميع الأشياء والخروج منه، أيستقيم أن يخليا عما في أيديهما ويخرجا منه، فقال: هو لازم لك، فارفق على أي الوجه كان، فإنك مأجور " ولعل ذلك يحل بابنه إيماء إليه، بناء على أن الخطاب فيه لأحد الوصيين.
ثم إن الظاهر اعتبار اللفظ أو ما يقوم مقامه في إفادة إنشاء الرد، فلا يكفي فيه مجرد عدم الرضا الباطني، نحو ما سمعته في إجازة الفضولي ونحوها مع احتماله، إلا أن الأول هو الأقوى، للأصل المقتصر في انقطاعه على المتيقن.
ومنه يعلم صحة الوصية لمن يعلم عدم رضاه بقبولها لو علم، مع اخفائها