(ص) بذم الرأي فيما رووا من الآثار الرأي الذي ينشأ عن متابعة هوى النفس، أو الرأي الذي يكون المقصود منه رد المنصوص نحو ما فعله إبليس، فأما الرأي الذي يكون المقصود به إظهار الحق من الوجه الذي قلنا لا يكون مذموما، ألا ترى أن الله تعالى أمر به في إظهار قيمة الصيد بقوله:
* (يحكم به ذوا عدل منكم) * فإن رسول الله (ص) قد علم ذلك أصحابه والصحابة عن آخرهم أجمعوا على استعماله من غير نكير من أحد منهم على من استعمله، فكيف يظن بهم الاتفاق على ما ذمه رسول الله أو جعله مدرجة الضلال، هذا شئ لا يظنه إلا ضال، والله أعلم.
فصل: في بيان ما لا بد للقياس من معرفته قال رضي الله عنه: وذلك معنى القياس لغة، فالصورة بلا معنى يكون فاسدا من الدعوى، ثم شرطه فإن وجود الشئ على وجه يكون معتبرا شرعا لا يكون إلا بوجود شرطه، ثم ركنه فقوام الشئ يكون بركنه، ثم حكمه فإن الشئ إنما يخرج من حد العبث والسفه إلى حد الحكمة بكونه مفيدا، وذلك إنما يكون بحكمه، ثم بالدفع بعد ذلك فإن تمام الالزام إنما يتبين بالعجز عن الدفع.
فأما الأول فهو معرفة القياس لغة، فنقول: للقياس تفسير هو المراد بصيغته، ومعنى هو المراد بدلالته، بمنزله فعل الضرب فإن له تفسيرا هو المعلوم بصورته وهو إيقاع الخشبة على جسم، ومعنى هو المراد بدلالته وهو الايلام.
فأما تفسير صيغة القياس فهو التقدير، يقال: قس النعل بالنعل: أي قدره به، وقاس الطبيب الجرح إذا سبره بالمسبار ليعرف مقدار غوره، وبهذا يتبين أن معناه لغة في الاحكام: رد الشئ إلى نظيره ليكون مثلا له في الحكم الذي وقعت الحاجة إلى إثباته، ولهذا يسمى ما يجري بين المناظرين مقايسة، لان كل واحد منهما يسعى ليجعل جوابه في الحادثة مثلا لما اتفقا على كونه أصلا بينهما، يقال: قايسته مقايسة وقياسا، ويسمى ذلك نظرا أيضا إذ لا يصاب إلا بالنظر عن إنصاف، ويسمى ذلك اجتهادا مجازا أيضا لان ببذل المجهود يحصل هذا المقصود.