تعالى: " فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول "، وقوله تعالى: " فاعتبروا يا أولي الابصار " وقوله تعالى " لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " وسائر ما ذكرنا من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في إباحة الاجتهاد، واستعمال السلف النظر والاستدلال في حكم الحوادث:
من نحو الخلية، والبرية، والحرام، والبتة، ولم يقل واحد منهم: اتركوها زوجته على أصل ما كانت عليه، ولا تنظروا في حكم اللفظ.
ثم ههنا مسائل لا بد فيها (من) اجتهاد الرأي: كنحو تحري القبلة عند الغيبة عنها، وكأروش الجنايات التي ليس فيها نص على مقاديرها، وقيم المستهلكات، ونفقات الزوجات. وعلى أن القائل بهذه المقالة مناقض في قوله، لأنه قد أوجب رد حكم الحادثة إلى الأصل الذي كان عليه حال المبتلى بالحادثة. وهذا القول حكم منه في الحادثة بغير الأصل الذي ذكر أنه يجب الرد فيه.
قال أبو بكر: على أن القائلين بنفي القياس من سائر من ذكرنا اعتراضاتهم، ممن يقول منهم بالنص الخفي، أو بالدليل الذي لا يحتمل في اللغة إلا معنى واحدا. ومن يقول بترك الشئ على أصل ما كان عليه، لا ينفكون من استعمال القياس، واجتهاد الرأي، في مسائل الحوادث، من حيث لا يعلمون أو يعلمون، فيكابرون ويسمونه بغير اسمه، قصدا منهم إلى الخلاف، وليذكروا في المختلفين، وكذلك لا نجد أحدا ممن ينفي حجج العقول إلا وهو يستعملها ضرورة، وهو لا يعلم أنه يستعملها أو يعمله ويكابر. وكذلك من ينفي خبر الواحد فإنما ينفيه بالقول، فإذا فتشت مذاهبه وجدته يستعمل أخبار الآحاد ويقول بها من حيث لا يشعر.