غالب ظني أني مصيب للحقيقة، فإذا لم يكن للشئ (عنده) حقيقة مطلوبة، فالاجتهاد ساقط في طلب ما قد علم أنه غير موجود.
فإن قال قائل: الدليل على الأشبه غير متعلق بالأصول المقيس عليها، وإنما هو متعلق بظن المجتهد: أن القائسين قد اختلفوا في تحريم (علة) التفاضل في الأصناف الستة على الوجوه المعلومة: من اعتبار الكيل، أو الوزن، أو الأكل، أو الاقتيات، مع الجنس، ومعلوم أن أحد هذه الوجوه ليس بأشبه بما يقاس عليه به من بعض، بل هي في الشبه بالحادثة متساوية، لا مزية لبعضها على بعض من هذا الوجه، صح أن المعتبر في ذلك وجود ما يحصل في ظن المجتهد أنه أشبه.
الجواب: أن هذا غلط من قائله على مذهب القوم، وذلك لأنه ظن أنهم يعتبرون الأشبه من جهة الصورة والهيئة ونحوها، وليس ذلك (كذلك)، عند أصحابنا دائما يعتبر الأشبه من طريق ما يتعلق به من الحكم، والكيل والوزن أشبه عندهم فيما يتعلق بهما، من الاكل والاقتيات.
وإذا كان كذلك لم يقدم ما ذكروه فيما وصفنا، وسلم لنا الأصل الذي قدمنا.
فإن قال: إن ما ذكرت من تعلق الحكم إنما هو كلام في دليل العلة، لا في العلة نفسها، والقياس إنما يقع على العلة لا على دليلها.
قيل له: وهذا غلط ثان، لأن الكيل والوزن إنما صارا علة لأنهما بهذا الوصف الذي ذكرنا من تعلق الحكم بهما، فإذا كان تعلق الحكم بالكيل والوزن وصفا من أوصافهما كانا أشبه بالحادثة من الأكل والاقتيات من باب تعلق الحكم بها.