والثاني: أن المأمور به ليس هو عين الكعبة، ولا عين الكافر المرمي، والمأمور به في الحادثة هو الحكم المطلوب نفسه.
قيل له: أما ما ذكرت من جواز ترك محاذاة الكعبة مع العلم بها وما فصلت به بينها وبين حكم الحادثة، فإنه فرق من وجه اخر غير ما ذكرنا، لأن جواز ترك التوجه إلى الكعبة لم يوجب جواز ترك الاجتهاد في طلب محاذاتها، فهما متساويان من هذا الوجه، لا فرق بينهما فيه، واختلافهما من وجه آخر لا يمنع الجمع بينهما من الوجه الذي ذكرنا.
وأيضا: فإنه كما جاز ترك محاذاة الكعبة للعذر، وكذلك جائز ورود العبارة في أحكام الحوادث بما يؤدي إليه اجتهاده من حيث جاز ورود العبارة به على هذا الوجه، كما جاز ترك محاذاة الكعبة للعذر، ثم لما أمر بإمضاء ما أداه إليه اجتهاده، علمنا أن ذلك حكمه الذي تعبد به، وأما ما ذكره من الفصل بينهما، بأن نفس الكعبة والمرمي ليس مأمورا، فسؤال يدل على جهل سائله بحقيقة ما يتحراه المجتهد.
وذلك لان الذي يتحراه المجتهد موافقة الأشبه عند الله تعالى من هذه الأصول، والأشبه إنما هو صفة للأصل الذي يتحرى المجتهد (موافقته، وتلك الصفة التي وصفها الله تعالى وجعلها لذلك الأصل المجتهد) غير مأمور بها، كما أنه ليس مأمورا بالكعبة، ولا بالكافر المرمي، وإنما هو مأمور بتحري محاذاة الكعبة (ومحاذاة الكعبة) هي فعله إذا فعلها، ومأمور بالتسديد نحو الكافر، ومحاذاته برميته، وذلك فعله، وإن لم يكن المرمي من فعله.