أثم ولكنهما كلفا أن يجتهدوا ويطلبا، حتى يصيبا الصواب بعينه في رأيهما، فقد أدى كل واحد منهما ما كلف.
قال محمد: وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف.
وكان أبو الحسن يقول: قال أصحابنا جميعا: إن كل مجتهد مصيب لما كلف، والحق عند الله في واحد.
قال: وشبهوا ذلك بالاجتهاد في القبلة، وكان يقول: إن معنى قولهم: إن الحق في واحد إنما مرادهم عندي فيه أن الأشبه واحد، وهو المطلوب الذي لم يكلف المجتهد إصابته قال عيسى بن أبان: هناك مطلوب هو أشبه بالحادثة، إلا أن المجتهد لم يكلف إصابته وإنما تعبد بأن يحكم لها بحكم الأصل، الذي هو أشبه به عند المجتهد في غالب ظنه.
قال أبو بكر: والذي ثبت عندي من مذاهب أصحابنا ومعنى قولهم: أن كل مجتهد مصيب لما كلف من حكم الله تعالى، وأن مرادهم بقولهم: إن الحق عند الله تعالى في واحد من أقاويل المختلفين: أن هناك حقيقة معلومة عند الله تعالى، وكلف المجتهد أن يتحرى موافقتها، وهي أشبه الأصول بالحادثة، ولم يكلف المجتهد إصابتها، وإنما كلف ما في اجتهاده أنه الأشبه.
ألا ترى: أن محمدا قد قال فيما حكاه الكسائي: إن المجتهد لم يكلف أن يصيب الصواب بعينه.
قال: ولو كلف ذلك فأخطأه أثم، ولكنه كلف أن يجتهد، ويطلب حتى يصيب الصواب بعينه في رأيه، فأخبر محمد: أن الحكم الذي عليه هو ما يغلب في ظنه أنه الأشبه، لا الأشبه الذي هو عند الله تعالى كذلك.
وقول محمد: إن المجتهد قد يكون مخطئا للصواب بعينه، إنما مراده فيه أنه يكون مخطئا للأشبه.
قال أبو بكر: وليس هذا الخطأ خطأ في الدين، ولا خطأ الحكم، لأنهم قد قالوا: إنه مصيب لما كلف، وإن حكم الله تعالى عليه هو ما غلب في رأيه أنه الأشبه، والذي كلف هو