باب القول في صفة من يكون من أهل الاجتهاد قال أبو بكر: لا يكون الرجل من أهل الاجتهاد في طلب أحكام الحوادث حتى يكون عالما بجمل الأصول: من الكتاب، والسنة الثابتة، وما ورد من طريق أخبار الآحاد، وما هو ثابت الحكم منها، مما هو منسوخ، وعالما بالعام والخاص منها.
ويكون عالما بدلالات القول بالحقيقة والمجاز، ووضع كل منه موضعه، وحمله على بابه.
ويكون مع ذلك عالما بأحكام العقول ودلالاتها، وما يجوز فيما مما لا يجوز.
ويكون عالما بمواضع الإجماعات من أقاويل الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من أهل الاعصار قبله.
ويكون عالما بوجوه الاستدلالات، وطرق المقاييس الشرعية، (ولا يكتفي في ذلك بعلمه بالمقاييس العقلية، لان المقاييس الشرعية) مخالفة للمقاييس العقلية، وهي طريقة متوارثة عن الصحابة والتابعين، ينقلها خلف عن سلف، فسبيلها أن تؤخذ عن أهلها من الفقهاء الذين يعرفونها، ولهذا خبط من تكلم في أحكام الحوادث، ممن لم يكن له علم بالمقاييس الشرعية، ثقة منه بعلمه بالمقاييس العقلية، فتهوروا وركبوا الجهالات والأمور الفاحشة.
فمن كان بالمنزلة التي وصفنا جاز له الاجتهاد في أحكام الحوادث، ورد الفروع إلى أصلها، وجاز له الفتيا بها إذا كان عدلا.
فأما إن جمع ذلك ولم يكن عدلا، فإن فتياه غير مقبولة، كما لا يقبل خبره إذا رواه، ولا شهادته إذا شهد.