للايصال إلى العلم بكونها أمارة للحكم، ثم العقل هو الذي يجيز تخصيصه، كما يجيز تخصيص المسموع نفسه.
أولا ترى: أن هذه المعاني قد كانت معقولة من جهة الاستنباط في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، من أجله أمر معاذا بالاجتهاد فيما يرد عليه من الحوادث.
ثم لم يمتنع مع ذلك جواز ورود النسخ والتخصيص عليها، وعلى أصولها المسموعة.
ولم تصر من أجل ما ذكرت بمنزلة العلل (العقلية) التي لا يجوز عليها التبديل.
فبان بما وصفت سقوط هذا السؤال، وصح أن كونها مستنبطة من جهة العقل لا يمنع من جواز التخصيص فيها.
دليل آخر: وهو أن علل الشرع لما كانت علامات وسمات للأحكام على حسب ما تقدم من بيانها، صارت كالأسماء التي هي سمات وأمارات للمسميات.
فمن حيث جاز أن يعلق الحكم بالاسم فيكون دلالة عليه، وعلامة له، ثم جاز مع ذلك أن يجعل ذلك الاسم بعينه علما لحكم آخر غيره، مثل تحريم الله تعالى العمل على اليهود يوم السبت، وكان اسم السبت علما للتحريم، ثم أباحه لنا، فصار ذلك الاسم بعينه علما للإباحة، وجاز من أجل ذلك تخصيصها، من حيث جاز عليها النسخ والتبديل.
وجب أن يكون كذلك العلل التي هي دلالات الأسماء، هي جارية مجراها في باب جواز التخصيص عليها، حسب جوازه في الأسماء من حيث لم يمتنع أن ينصب الله تعالى الأوصاف التي هي علل أعلاما، للإباحة تارة، وللحظر أخرى، على حسب إيجابه في الأسماء التي منها اقتضت هذه العلل.
فلما جرت هذه العلل مجرى الأسماء من الوجه الذي ذكرنا، وجب أن يكون (حكمها حكمها) في باب جواز التخصيص عليها، كجوازها فيها، فيكون المعنى الجامع بينهما: أن كل واحد من الامرين قد يجوز أن ينصبه الله تعالى تارة علما للحظر، وتارة علما للإباحة.