ثانيهما: أعم من هذا، وهو اتفاق أهل كل فن على أمر متعلق بذلك الامر، كاتفاق النحوي مثلا على مسألة نحوية، والصرفي على الصرفية، وأمثال ذلك، ولا يختص بكون المتفقين من أهل عصر واحد بل المراد من قولهم مثلا: اتفق النحويون على كذا أن كل من كان من أهل هذا الفن سواء كان حيا أم ميتا، ذهب إليه.
وبهذا المعنى يطلق أكثر الاتفاقات المدعاة في كلمات فقهائنا كقول العلامة مثلا اتفق علماؤنا أو فقهائنا على كذا، وكذا قول الشيخ رحمه الله مثلا في الخلاف: لا خلاف بين المسلمين في كذا، وغيرهما.
وكيف كان، فقد استدل العامة على حجيته بأمور:
(الأول) الحديث المعروف عندهم الذي هو العمدة في أدلتهم - وإن كان قد أيدهم بعض منهم بعد نقل الحديث منه - والاستدلال به بآيات سنشير إليها إن شاء الله تعالى: (لا تجتمع أمتي على الضلالة) أو (على ضلالة) أو (على الخطأ) (1) على اختلاف النقل أو (وما كان الله ليجمع أمتي على الضلالة) (2).
وقالوا: إن لفظ (الأمة) وإن كانت عامة إلا أنه معلوم من القرائن الخارجية أن المراد من كان لرأيه دخل في الاستنباط، وهو من كان من أهل الحل والعقد.
وأما وجه التخصيص بالعصر الواحد فهو أنه وإن كان يتصور عقلا أن يكون المراد من الأمة جميعها من أول الاسلام إلى انقضاء زمن التكليف إلا أنه حينئذ كلام لا فائدة فيه، فيصير قبيحا، فيستحيل صدوره من الحكيم لذلك، فليس ذلك بمراد قطعا.
فإما أن يكون المراد اتفاقهم في جميع الأعصار إلى عصر المدعي أو العصر