إنما هو لكونها متوقفا عليها الواجب، ولا بد للمكلف فعلها ليتمكن من فعل ذيها، وهذا لا يجري في مقدمة الحرام.
وإن قلنا: إنه عبارة عن طلب الترك وأن الترك مطلوب فلا تجب إلا المقدمة السببية إما بناء على أن الامر بالسبب أمر بالمسبب كما قيل، وإما بناء - على ما هو الحق - من أن الامر بالمسبب أمر بنفسه، فحينئذ تعلق الحرمة أولا وبالذات بالسبب، وثانيا وبالعرض بالمسبب، فلا يكون على كل حال إلا الحرمة الواحدة.
وأما المقدمة الغير السببية فلا حرمة فيها، لعين ما ذكرنا بناء على الوجه الأول، والحمد لله، رب يسر ولا تعسر.
فصل في مبحث الضد اختلفوا في أن الامر بالشئ هل يقتضي النهي عن ضده العام فقط أو الخاص أيضا، أو التوقف فيه، أو في كليهما؟
ثم الاقتضاء هل هو بنحو العينية بمعنى المطابقة، أو على نحو الجزئية بمعنى التضمن، أو بنحو اللزوم البين بالمعنى الأعم، أو الأخص أو غير البين؟ وجوه وأقوال لا يهمنا ذكرها كلها.
فقبل الخوض في المقصود لا بد من بيان أمور:
الأول: أن الضد هنا أعم من الضد باصطلاح أهل المعقول، فإنهم يقسمون الشيئين المتغايرين إلى المتماثلين والمتخالفين والمتقابلين ثم يقسمون الأخير إلى الوجوديين أو أحدهما وجودي والاخر عدمي.
والوجوديان إما يتوقف تصور أحدهما على تصور الاخر فهما المتضايفان، أو لا فهما المتضادان.
وما كان أحدهما عدميا إما أن يكون عدم ذلك الشئ بنفسه فهما المتناقضان أو عدم شئ من شأنه الوجود فهما العدم والملكة.