البحث الثالث قد عرفت أن معنى المطلق كون المعنى في مقام الثبوت تمام الموضوع للحكم، ومعنى المقيد كونه جزء لا أنهما لفظان متباينان وضعا للمعنيين المختلفين كالاسم والفعل والحرف، فإنها متباينات، بل اللفظ الواحد يطلق عليه المطلق تارة والمقيد أخرى.
وبعبارة أخرى: إن كان المعنى البسيط مع بساطته موضوعا للحكم فهو مطلق وإن كان الموضوع مركبا منه ومن معنى آخر فهو مقيد، وبتبع المعنى يتصف اللفظ بهما.
يدل على ما ذكرنا قولهم رضي الله عنهم: إن الرقبة في كفارة اليمين مطلقة، وفي كفارة قتل الخطأ مقيدة، وفي كفارة الظهار مختلف فيها، فيظهر من هذه الاستعمالات أن المعنى الواحد يتصف بهما وإن عرفوهما ب (ما دل على شائع في جنسه وما دل لا على شائع في جنسه) إلا أنهم في مقام التعريف لم يحصلوا ما أطلقوا عليه هذين اللفظين بارتكازهم.
فلا يشكل بأن جعل هذا الاصطلاح أيضا منهم فكيف يكون تعريفهم إياهما على غير مورده.
وجه الدفع: أن مقام التعريف غير مقام الاطلاق والاستعمال، فهم في مقام الاطلاق والاستعمال وإن أصابوا بارتكازهم إلا أنهم أخطأوا في مقام التعريف فلا ضير، هذا كله في مقام الثبوت.
وأما في مقام الاثبات إذا شككنا أنه مطلق أم مقيد فتختلف كيفية أخذ الاطلاق والتقييد باختلاف تعريفهما.
فإن قلنا بمقالة من عرف الاطلاق بأنه لحاظ السريان والشياع، والتقييد بأنه عدم لحاظهما، سواء كان عدم السريان ملحوظا أم لا، فيحتاج - كما قيل - إلى