أقول: لا يخفى عليك أن القسمين الأولين من الأقسام الأربعة كما لا يصدق عليهما المفقه كذلك لا يصدق عليهما المنذر بمعنى المبلغ أيضا، فإن من لم يعتقد حجية كلام الإمام عليه السلام فلا يعتقد أنه حكم فلا يصدق أنه بلغ الحكم. وكذا من لم يعرف المعنى من اللفظ إذا نقل ما سمعه لا يصدق أنه بلغ الحكم، فلا إشكال في التمسك المذكور.
وكيف كان، فالآية لا تشمل الخبر بما هو خبر كما لا يخفى. نعم، لا إشكال في دلالتها على وجوب العمل بقول الفقيه المجتهد.
لا يقال: إن الآية مطلقة فلا يشترط فيها الاجتهاد.
فإنه يقال: لا نسلم صدق المتفقه على من علم حديثا واحدا وإن كان قد عرف معناه، والاجتهاد وإن لم يكن في الصدر الأول معروفا بهذا المعنى الفعلي، لكن كان في ذلك الزمان أيضا فقهاء.
نعم، الاجتهاد إذ ذاك كان أسهل فيه منه في أمثال هذه الأزمنة باعتبار عدم الحاجة إلى معرفة الرجال، ومعرفة الأقوال خصوصا أقوال العامة، ومعرفته أكثر المسائل الأصولية، كيف وقد كان في زمن الأئمة عليهم السلام فقهاء أجلة مثل زرارة ومحمد بن مسلم وبريد وأبي بصير وأبان بن تغلب وغيرهم. وكان بعضهم عليهم السلام يأذن بل يوجب على أمثالهم أن يجلس مجلس القضاء أو الافتاء.
وكيف كان، فالقدر المتيقن منها وجوب العمل على طبق قول الفقيه.
ولا يخفى أن الوجوب يستفاد من جعل نفس الحذر غاية لوجوب الانذار المستفاد من (لولا) التحضيضية أو التوبيخية، لا من جعل وجوب الحذر غاية له، ولا من انسلاخ معنى (لعل) عن معناها الأصلي كما قيل.
فإنه يرد على الأول - جعل وجوب الحذر غاية له - أنه إن كان المراد من الوجوب الوجوب الظاهري ففيه عدم انحصار فائدة وجوب الانذار في ذلك، بل نفس تحقق الحذر يكفي في كونه فائدة لذلك.