الواضع الواحد. فعليه يسقط النزاع المشهور في الوضع، ويتبين أن الغفلة عن حقيقة المسألة، أوقعتهم في ذلك.
إن قيل: ظاهر القول بأن الوضع ليس إلا التباني والتعهد، إنكار وجود الربط الاعتباري بين اللفظ والمعنى، فضلا عن غيره.
قلنا: هذا غير ظاهر أولا.
وثانيا: غير تام، لأن حصول تلك العلقة ليس أمرا اختياريا، بل هي تحصل قهرا، كما في الاستعمالات الكثيرة.
وثالثا: هذا يرجع إلى النزاع الآخر غير النزاعين المعروفين، فيلزم البحث في مفاد " كان " التامة، وأصل وجود العلقة، ثم في أنها واقعية، أو طبيعية، أو اعتبارية، ثم بعد ذلك في أن الأسباب المورثة لها، واحدة، أم كثيرة.
فتحصل: أن الجهة المتنازع فيها ليست مفهوم الوضع المصدري، ولا معنى الحاصل منه، ولا في تحقق العلاقة والربط المشهود بين الألفاظ والمعاني، بل ما يمكن أن يتنازع فيه إجمالا، هو السبب الموجد لتلك العلقة الاعتبارية، وهو أعم مما توهم.
فعليه يصح أن يقال: إن جميع ما قيل في معنى الوضع صحيح، وباطل:
صحيح، لأنه من الأسباب التي يمكن أن يتسبب بها إليها، وباطل، لأن حقيقة المسبب ليست السبب بالحمل الأولي، حتى يصح تعريفه وتحديده به.
وإن شئت قلت: الوضع هو إنشاء الربط بين الألفاظ والمعاني، والإنشاء المذكور يتصور بطرق مختلفة:
منها: التعهد.
ومنها: التباني.
ومنها: بقوله: " أنشأت علقة الدلالة بين اللفظ والمعنى ".