وقصة الترجيح بلا مرجح (1) تندفع بالمرجحات الموجودة عند كل واضع من الإنس، فهو باللغة والشرع والتعصبات القومية وغير ذلك.
فكانت اللغات الموضوعة في بدو نشر البشر، غير بالغة عدد الأصابع والأنامل، ثم مست الحاجة بعده إلى أن صارت غير متناهية، فتدبر.
ثم إن من شرائط الواضع كونه نافذا في صنعه، وإلا فلا تحصل تلك العلقة وذلك الربط.
وهذا الذي ذكرناه لا ينافي دخالة الإلهامات والإيحاء في وضع طوائف من اللغات، لأنه أيضا من طبيعي الانسان الذي هو الواضع، ولعله مما يطمئن به في بعض اللغات التي هي مشحونة في الهيئات والمواد بالدقائق، فإن القوانين المترائية في لسان العرب، لا تستند إلى نفس الطبائع الغريزية، فإنه معلوم البطلان، فلا مانع من الالتزام بدخالة الأنبياء والحكماء والعلماء وأرباب العقول في ذلك، ولعل يعرب ابن قحطان منهم، ولست أدري خلافه، فلا منع من كون ذلك بيد الرسل في الجملة، حتى يتمكن الانسان الذي * (علمه البيان) * (2) من الوضع على حسب ما تعلم من الأوضاع.
ثم إن ما أفاده العلامة النائيني (رحمه الله): " من أنه هو الله تعالى بنحو الإلهام الذي هو الحد الوسط بين التكوين والتشريع " (3) لا يخلو من غرابة. مع أن التشريع عين التكوين أيضا، كما تقرر في محله (4).
وكأنه (رحمه الله) توهم المجتمع البشري البالغ إلى ملايين بلا لغة، ثم بعد ذلك