لأن كونه مرسلا من الله يقتضي أن يؤمن المكلف بالله والمرسل وبالمرسل وقوله * (شاهدا) * يقتضي أن يعزر الله ويقوي دينه لأن قوله * (شاهدا) * على ما بينا معناه أنه يشهد أنه لا إله إلا هو فدينه هو الحق وأحق ن يتبع وقوله * (مبشرا) * يقتضي أن يوقر الله لأن تعظيم الله عنده على شبه تعظيم الله إياه. وقوله * (نذيرا) * يقتضي أن ينزه عن السوء والفحشاء مخافة عذابه الأليم وعقابه الشديد، وأصل الإرسال مرتب على أصل الإيمان ووصف الرسول يترتب عليه وصف المؤمن وثانيهما: أن يكون كل واحد مقتضيا للأمور الأربعة فكونه مرسلا يقتضي أن يؤمن المكلف بالله ورسوله ويعزره ويوقره ويسبحه، وكذلك كونه * (شاهدا) * بالوحدانية يقتضي الأمور المذكورة، وكذلك كونه * (مبشرا ونذيرا) * لا يقال إن اقتران اللام بالفعل يستدعي فعلا مقدما يتعلق به ولا يتعلق بالوصف وقوله * (لتؤمنوا) * يستدعي فعلا وهو قوله * (إنا أرسلناك) * فكيف تترتب الأمور على كونه * (شاهدا ومبشرا) * لأنا نقول يجوز الترتيب عليه معنى لا لفظا، كما أن القائل إذا قال بعثت إليك عالما لتكرمه فاللفظ ينبئ عن كون البعث سبب الإكرام، وفي المعنى كونه عالما هو السبب للإكرام، ولهذا لو قال بعثت إليك جاهلا لتكرمه كان حسنا، وإذا أردنا الجمع بين اللفظ والمعنى نقول: الإرسال الذي هو إرسال حال كونه شاهدا كما تقول بعث العالم سبب جعله سببا لا مجرد البعث، ولا مجرد العالم، في الآية مسائل: المسألة الأولى: قال في الأحزاب * (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) * (الأحزاب: 45، 46) وههنا اقتصر على الثلاثة من الخمسة فما الحكمة فيه؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن ذلك المقام كان مقام ذكره لأن أكثر السورة في ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وما تقدمه من المبايعة والوعد والدخول ففصل هنالك، ولم يفصل ههنا ثانيهما: أن نقول الكلام مذكور ههنا لأن قوله * (شاهدا) * لما لم يقتض أن يكون داعيا لجواز أن يقول مع نفسه أشهد أن لا إله إلا الله، ولا يدعو الناس قال هناك وداعيا لذلك، وههنا لما لم يكن كونه * (شاهدا) * منبئا عن كونه داعيا قال: * (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه) * دليل على كونه سراجا لأنه أتى بما يجب من التعظيم والاجتناب عما يحرم من السوء والفحشاء بالتنزيه وهو التسبيح.
المسألة الثانية: قد ذكرنا مرارا أن اختيار البكرة والأصيل يحتمل أن يكون إشارة إلى المداومة، ويحتمل أن يكون أمرا بخلاف ما كان المشركون يعملونه فإنهم كانوا يجتمعون على عبادة الأصنام في الكعبة بكرة وعشية فأمروا بالتسبيح في أوقات كانوا يذكرون فيها الفحشاء والمنكر.
المسألة الثالثة: الكنايات المذكور في قوله تعالى: * (وتعزروه وتوقروه وتسبحوه) * راجعة إلى الله تعالى أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟ والأصح هو الأول.