ثانيها: أنزل السكينة عليهم فصبروا فرأوا عين اليقين بما علموا من النصر علم اليقين إيمانا بالغيب فازدادوا إيمانا مستفادا من الشهادة مع إيمانهم المستفاد من الغيب ثالثها: ازدادوا بالفروع مع إيمانهم بالأصول، فإنهم آمنوا بأن محمدا رسول الله وأن الله واحد والحشر كائن وآمنوا بأن كل ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم صدق وكل ما يأمر الله تعالى به واجب رابعها: ازدادوا إيمانا استدلاليا مع إيمانهم الفطري، وعلى هذا الوجه نبين لطيفة وهي أن الله تعالى قال في حق الكافر * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * (آل عمران: 178) ولم يقل مع كفرهم لأن كفرهم عنادي وليس في الوجود كفر فطري لينضم إليه الكفر العنادي بل الكفر ليس إلا عناديا وكذلك الكفر بالفروع لا يقال انضم إلى الكفر بالأصول لأن من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعة والانقياد فقال: * (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) * وقوله * (ولله جنود السماوات والأرض) * فكان قادرا على إهلاك عدوه بجنوده بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائهم بأيديهم فيكون لهم الثواب، وفي جنود السماوات والأرض وجوه أحدها: ملائكة السماوات والأرض ثانيها: من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الحيوانات والجن وثالثها: الأسباب السماوية والأرضية حتى يكون سقوط كسف من السماء والخسف من جنوده، وقوله تعالى: * (وكان الله عليما حكيما) * لما قال: * (ولله جنود السماوات والأرض) * وعددهم غير محصور، أثبت العلم إشارة إلى أنه * (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض) * (سبأ: 3) وأيضا لما ذكر أمر القلوب بقوله * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) * والإيمان من عمل القلوب ذكر العلم إشارة إلى أنه يعلم السر وأخفى، وقوله * (حكيما) * بعد قوله * (عليما) * إشارة إلى أنه يفعل على وفق العلم فإن الحكيم من يعمل شيئا متقنا ويعلمه، فإن من يقع منه صنع عجيب اتفاقا لا يقال له حكيم ومن يعلم ويعمل على خلاف العلم لا يقال له حكيم.
وقوله تعالى:
* (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) *.
يستدعي فعلا سابقا * (ليدخل) * فإن من قال ابتداء لتكرمني لا يصح ما لم يقل قبله جئتك أو ما يقوم مقامه وفي ذلك الفعل وجوه وضبط الأحوال فيه بأن تقول ذلك الفعل إما أن يكون مذكورا بصريحه أو لا يكون، وحينئذ ينبغي أن يكون مفهوما، فإما أن يكون مفهوما من لفظ يدل عليه بل فهم بقرينة حالية فإن كان مذكورا فهو يحتمل وجوها أحدها: قوله * (ليزدادوا إيمانا) * (الفتح: 4) كأنه تعالى أنزل السكينة