المسألة الثانية: ما معنى * (ما كذب) *؟ نقول فيه وجوه: الوجه الأول: ما قاله الزمخشري وهو أن قلبه لم يكذب وما قال إن ما رآه بصرك ليس بصحيح، ولو قال فؤاده ذلك لكان كاذبا فيما قاله وهو قريب مما قاله المبرد حيث قال: معناه صدق الفؤاد، فيما رأى، (رأى) شيئا فصدق فيه الثاني: قرىء * (ما كذب الفؤاد) * بالتشديد ومعناه ما قال إن المرئي خيال لا حقيقة له الثالث: هو أن هذا مقرر لما ذكرنا من أن محمدا صلى الله عليه وسلم، لما رأى جبريل عليه السلام خلق الله له علما ضروريا علم أنه ليس بخيال وليس هو على ما ذكرنا قصد الحق، وتقديره ما جوز أن يكون كاذبا وفي الوقوع وإرادة نفي الجواز كثير قال الله تعالى: * (لا يخفى على الله منهم شيء) * (غافر: 16) وقال: * (لا تدركه الأبصار) * (الأنعام: 103) وقال: * (وما ربك بغافل) * (النمل: 93) والكل لنفي الجواز بخلاف قوله تعالى: * (لا نضيع أجر المحسنين) * (يوسف: 56) * (لا نضيع أجر من أحسن عملا) *، * (ولا يغفر أن يشرك به) * (النساء: 48) فإنه لنفي الوقوع.
المسألة الثالثة: الرائي في قوله * (ما رأى) * هو الفؤاد أو البصر أو غيرهما؟ نقول فيه وجوه الأول: الفؤاد كأنه تعالى قال: * (ما كذب الفؤاد) * ما رآه الفؤاد أي لم يقل إنه جني أو شيطان بل تيقن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح الثاني: البصر أي * (ما كذب الفؤاد) * ما رآه البصر، ولم يقل إن ما رآه البصر خيال الثالث: ما كذب الفؤاد ما رأى محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا على قولنا الفؤاد للجنس ظاهر أي القلوب تشهد بصحة ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم (من الرؤيا) وإن كانت، الأوهام لا تعترف بها.
المسألة الرابعة: ما المرئي في قوله * (ما رأى) *؟ نقول على الاختلاف السابق والذي يحتمل الكلام وجوه ثلاثة: الأول: الرب تعالى والثاني: جبريل عليه السلام والثالث: الآيات العجيبة الإلهية، فإن قيل كيف تمكن رؤية الله تعالى بحيث لا يقدح فيه ولا يلزم منه كونه جسما في جهة؟ نقول، اعلم أن العاقل إذا تأمل وتفكر في رجل موجود في مكان، وقال هذا مرئي الله تعالى يراه الله، و (إذا) تفكر في أمر لا يوجد أصلا وقال هذا مرئي الله تعالى يراه الله تعالى يجد بينهما فرقا وعقله يصحح الكلام الأول ويكذب الكلام الثاني، فذلك ليس بمعنى كونه معلوما لأنه لو قال الموجود معلوم الله والمعدوم معلوم الله لما وجد في كلامه خللا واستبعادا فالله راء بمعنى كونه عالما، ثم إن الله يكون رائيا ولا يصير مقابلا للمرئي، ولا يحصل في جهة ولا يكون مقابلا له، وإنما يصعب على الوهم ذلك من حيث إنه لم ير شيئا إلا في جهة فيقول إن ذلك واجب، ومما يصحح هذا أنك ترى في الماء قمرا وفي الحقيقة ما رأيت القمر حالة نظرك إلى الماء إلا في مكانه فوق السماء فرأيت القمر في الماء، لأن الشعاع الخارج من البصر اتصل به فرد الماء ذلك الشعاع إلى السماء، لكن وهمك لما رأى أكثر ما رآه في المقابلة لم يعهد رؤية شيء يكون خلفه إلا بالتوجه إليه، قال إني أرى القمر، ولا رؤية إلا إذ كان المرئي في مقابلة الحدقة ولا مقابل للحدقة إلا الماء، فحكم إذن بناء على هذا أنه يرى القمر في الماء، فالوهم يغلب العقل في العالم لكون الأمور العاجلة أكثرها وهمية