الله تعالى يلحق به ولده وإن لم يعمل عملا صالحا كما أتبعه، وإن لم يشهد ولم يعتقد شيئا.
اللطيفة الثالثة: في قوله تعالى: * (بإيمان) * فإن الله تعالى أتبع الولد الوالدين في الإيمان ولم يتبعه أباه في الكفر بدليل أن من أسلم من الكفار حكم بإسلام أولاده، ومن ارتد من المسلمين والعياذ بالله لا يحكم بكفر ولده.
اللطيفة الرابعة: قال في الدنيا * (اتبعناهم) * وقال في الآخرة * (ألحقنا بهم) * وذلك لأن في الدنيا لا يدرك الصغير التبع مساواة المتبوع، وإنما يكون هو تبعا والأب أصلا لفضل الساعي على غير الساعي، وأما في الآخرة فإذا ألحق الله بفضله ولده به جعل له من الدرجة مثل ما لأبيه.
اللطيفة الخامسة: في قوله تعالى: * (وما ألتناهم) * تطييب لقلبهم وإزالة وهم المتوهم أن ثواب عمل الأب يوزع على الوالد والولد بل للوالد أجر عمله بفضل السعي ولأولاده مثل ذلك فضلا من الله ورحمة.
اللطيفة السادسة: في قوله تعالى: * (من عملهم) * ولم يقل من أجرهم، وذلك لأن قوله تعالى: * (وما ألتناهم من عملهم) * دليل على بقاء عملهم كما كان والأجر على العمل مع الزيادة فيكون فيه الإشارة إلى بقاء العمل الذي له الأجر الكبير الزائد عليه العظيم العائد إليه، ولو قال: ما ألتناهم من أجرهم، لكان ذلك حاصلا بأدنى شيء لأن كل ما يعطي الله عبده على عمله فهو أجر كامل ولأنه لو قال تعالى ما ألتناهم من أجرهم، كان مع ذلك يحتمل أن يقال إن الله تعالى تفضل عليه بالأجر الكامل على العمل الناقص، وأعطاه الأجر الجزيل، مع أن عمله كان له ولولده جميعا، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: * (والذين آمنوا) * عطف على ماذا؟ نقول على قوله * (إن المتقين) * (الطور: 17). المسألة الثانية: إذا كان كذلك فلم أعاد لفظ * (الذين آمنوا) * وكان المقصود يحصل بقوله تعالى: * (وألحقنا بهم ذرياتهم) * بعد قوله * (وزوجناهم) * (الطور: 20) وكان يصير التقدير وزوجناهم وألحقنا بهم؟ نقول فيه فائدة وهو أن المتقين هم الذين اتقوا الشرك والمعصية وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقال ههنا * (الذين آمنوا) * أي بوجود الإيمان يصير ولده من أهل الجنة، ثم إن ارتكب الأب كبيرة أو صغيرة على صغيرة لا يعاقب به ولده بل الوالد وربما يدخل الجنة الابن قبل الأب، وفيه لطيفة معنوية، وهو أنه ورد في الأخبار أن الولد الصغير يشفع لأبيه وذلك إشارة إلى الجزاء.
المسألة الثالثة: هل يجوز غير ذلك؟ نقول نعم يجوز أن يكون قوله تعالى: * (والذين آمنوا) * عطفا على * (بحور عين) * (الطور: 20) تقديره: زوجناهم بحور عين، أي قرناهم بهن، وبالذين آمنوا، إشارة إلى قوله تعالى: * (إخوانا على سرر متقابلين) * (الحجر: 47) أي جمعنا شملهم بالأزواج والإخوان والأولاد بقوله تعالى: * (وأتبعناهم) * وهذا الوجه ذكره الزمخشري والأول أحسن وأصح، فإن قيل كيف يصح على