هذا ليس بشيء ولا يصح عليه، ولو قال قائل في مثل هذه الصورة خرج ليأخذ بلاد العدو وليرهبه لصدق، فالتعليل اللفظي هو جعل المنفعة المعتبرة علة للفعل الذي فيه المنفعة، يقال إتجر للربح، وإن لم يكن في الحقيقة له، إذا عرفت هذا، فنقول الحقائق غير معلومة عند الناس، والمفهوم من النصوص معانيها اللفظية لكن الشيء إذا كان فيه منفعة يصح التعليل بها لفظا والنزاع في الحقيقة في اللفظ الثاني: هو أن ذلك تقدير كالتمني والترجي في كلام الله تعالى وكأنه يقول العبادة عند الخلق شيء لو كان ذلك من أفعالكم لقلتم إنه لها، كما قلنا في قوله تعالى: * (لعله يتذكر) * (طه: 44) أي بحيث يصير تذكرة عندكم مرجوا وقوله * (عسى ربكم أن يهلك عدوكم) * (الأعراف: 129) أي يصير إهلاكه عندكم مرجوا تقولون إنه قرب الثاني: هو أن اللام قد تثبت فيما لا يصح غرضا كما في الوقت قال تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * (الإسراء: 78) وقوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن) * (الطلاق: 1) والمراد المقارنة، وكذلك في جميع الصور، وحينئذ يكون معناه قرنت الخلق بالعبادة أي بفرض العبادة أي خلقتهم وفرضت عليهم العبادة، والذي يدل على عدم جواز التعليل الحقيقي هو أن الله تعالى مستغن عن المنافع فلا يكون فعله لمنفعة راجعة إليه ولا إلى غيره، لأن الله تعالى قادر على إيصال المنفعة إلى الغير من غير واسطة العمل فيكون توسط ذلك لا ليكون علة، وإذا لزم القول بأن الله تعالى يفعل فعلا هو لمتوسط لا لعلة لزمهم المسألة، وأما النصوص فأكثر من أن تعد وهي على أنواع، منها ما يدل على أن الإضلال بفعل الله كقوله تعالى: * (يضل من يشاء) * (الرعد: 27) وأمثاله ومنها ما يدل على أن الأشياء كلها بخلق الله كقوله تعالى: * (خالق كل شيء) * (الرعد: 16) ومنها الصرايح التي تدل على عدم ذلك، كقوله تعالى: * (لا يسأل عما يفعل) * (الأنبياء: 23) وقوله تعالى: * (ويفعل الله ما يشاء) * (إبراهيم: 27) * (يحكم ما يريد) * (المائدة: 1) والاستقصاء مفوض فيه إلى المتكلم الأصولي لا إلى المفسر.
المسألة الرابعة: قال تعالى: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) * (الحجرات: 13) وقال: * (ليعبدون) * فهل بينها اختلاف؟ نقول ليس كذلك فإن الله تعالى علل جعلهم شعوبا بالتعارف، وههنا علل خلقهم بالعبادة وقوله هناك * (أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 13) دليل على ما ذكره ههنا وموافق له، لأنه إذا كان أتقى كان أعبد وأخلص عملا، فيكون المطلوب منه أتم في الوجود فيكون أكرم وأعز، كالشئ الذي منفعته فائدة، وبعض أفراده يكون أنفع في تلك الفائدة، مثاله الماء إذا كان مخلوقا للتطهير والشرب فالصافي منه أكثر فائدة في تلك المنفعة فيكون أشرف من ماء آخر، فكذلك العبد الذي وجد فيه ما هو المطلوب منه على وجه أبلغ.
المسألة الخامسة: ما العبادة التي خلق الجن والإنس لها؟ قلنا: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله، فإن هذين النوعين لم يخل شرع منهما، وأما خصوص العبادات فالشرائع مختلفة فيها بالوضع والهيئة والقلة والكثرة والزمان والمكان والشرائط والأركان، ولما كان التعظيم اللائق بذي الجلال والإكرام لا يعلم عقلا لزم اتباع الشرائع فيها والأخذ بقول الرسل عليهم السلام فقد أنعم