يفيد فائدة مستقلة، وهي أن العذاب يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون هذا الأمر، ويظنون أن العذاب لا يأتيهم أصلا.
قوله تعالى * (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين * يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) *.
ذكر هذا للتعجب، وهذا لأن من توعد بأمر فيه ضرر يسير كلطمة أو لكمة، فيرى من نفسه الجلد ويقول باسم الله هات، وأما من توعد بإغراق أو إحراق ويقطع بأن المتوعد قادر لا يخلف الميعاد، لا يخطر ببال العاقل أن يقول له هات ما تتوعدني به، فقال ههنا * (يستعجلونك بالعذاب) * والعذاب بنار جهنم المحيطة بهم، فقوله: * (ويستعجلونك) * أولا إخبار عنهم وثانيا تعجب منهم، ثم ذكر كيفية إحاطة جهنم.
فقال تعالى: * (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعلمون) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: لم خص الجانبين بالذكر ولم يذكر اليمين والشمال وخلف وقدام؟ فنقول لأن المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا ونار الدنيا تحيط بالجوانب الأربع، فإن من دخلها تكون الشعلة خلفه وقدامه ويمينه ويساره وأما النار من فوق فلا تنزل وإنما تصعد من أسفل في العادة العاجلة وتحت الأقدام لا تبقى الشعلة التي تحت القدم، ونار جهنم تنزل من فوق ولا تنطفئ بالدوس موضع القدم.
المسألة الثانية: قال: * (من فوقهم ومن تحت أرجلهم) * ولم يقل من فوق رؤوسهم، ولا قال من فوقهم ومن تحتهم، بل ذكر المضاف إليه عند ذكر تحت ولم يذكره عند ذكر فوق، فنقول لأن نزول النار من فوق سواء كان من سمت الرؤوس وسواء كان من موضع آخر عجيب، فلهذا لم يخصه بالرأس، وأما بقاء النار تحت القدم فحسب عجيب، وإلا فمن جوانب القدم في الدنيا يكون شعل وهي تحت فذكر العجيب وهو ما تحت الأرجل حيث لم ينطق بالدوس وما فوق على الإطلاق.
ثم قال تعالى: * (ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) * لما بين عذاب أجسامهم بين عذاب أرواحهم وهو أن يقال لهم على سبيل التنكيل والإهانة ذوقوا عذاب ما كنتم تعملون، وجعل ذلك عين ما كانوا يعملون للمبالغة بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب، فإن عملهم كان سببا لجعل الله إياه سببا لعذابهم، وهذا كثير النظير في الاستعمال.