فيقتله، ثم يتبين انه كان مسلما، فذكر الله تعالى حكم هذه الواقعة في هذه الآية وههنا مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في سبب النزول وجوها: الأول: روى عروة بن الزبير أن حذيفة بن اليمان كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد فأخطأ المسلمون وظنوا أن أباه اليمان واحد من الكفار، فأخذوه وضربوه بأسيافهم وحذيفة يقول: انه أبي فلم يفهموا قوله إلا بعد أن قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فلما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ازداد وقع حذيفة عنده، فنزلت هذه الآية:
الرواية الثانية: أن الآية نزلت في أبي الدرداء، وذلك لأنه كان في سرية فعدل إلى شعب لحاجة له فوجد رجلا في غنم له فحمل عليه بالسيف، فقال الرجل: لا إله إلا الله، فقتله وساق غنمه ثم وجد في نفسه شيئا، فذكر الواقعة للرسول صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: " هلا شققت عن قلبه " وندم أبو الدرداء فنزلت الآية. الرواية الثالثة: روي أن عياش بن أبي ربيعة، وكان أخا لأبي جهل من أمه، أسلم وهاجر خوفا من قومه إلى المدينة، وذلك قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس تحت سقف حتى يرجع، فخرج أبو جهل ومعه الحرث بن زيد بن أبي أنيسة فأتياه وطولا في الأحاديث، فقال أبو جهل: أليس أن محمدا يأمرك ببر الأم فانصرف وأحسن إلى أمك وأنت على دينك فرجع، فلما دنوا من مكة قيدوا يديه ورجليه، وجلده أبو جهل مائة جلدة، وجلده الحرث مائة أخرى، فقال للحرث: هذا أخي فمن أنت يا حرث، لله علي إن وجدتك خالي أن أقتلك. وروي أن الحرث قال لعياش حين رجع: ان كان دينك الأول هدى فقد تركته وان كان ضلالا فقد دخلت الآن فيه، فشق ذلك على عياش وحلف أن يقتله، فلما دخل على أمه حلفت أمه لا يزول عنه القيد حتى يرجع إلى دينه الأول ففعل، ثم هاجر بعد ذلك وأسلم الحرث أيضا وهاجر، فلقيه عياش خاليا ولم يشعر باسلامه فقتله، فلما أخبر بأنه كان مسلما ندم على فعله وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قتلته ولم أشعر باسلامه، فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (وما كان) * فيه وجهان: الأول: أي وما كان فيما أتاه من ربه وعهد إليه. الثاني: ما كان له في شيء من الأزمنة ذلك، والغرض منه بيان أن حرمة القتل كانت ثابتة من أول زمان التكليف.
المسألة الثالثة: قوله: * (إلا خطأ) * فيه قولان: الأول: أنه استثناء متصل، والذاهبون إلى هذا القول ذكروا وجوها: الأول: ان هذا الاستثناء ورد على طريق المعنى، لأن قوله: * (وما كان لمؤمن أن