منه بيان أنه عليه الصلاة والسلام لما حرضهم على الجهاد فقد استحق بذلك التحريض أجرا عظيما. الثاني: أنه تعالى لما أمره بتحريضهم على الجهاد ذكر أنهم لو لم يقبلوا أمره لم يرجع إليه من عصيانهم وتمردهم عيب، ثم بين في هذه الآية أنهم لما أطاعوا وقبلوا التكليف رجع إليهم من طاعتهم خير كثير، فكأنه تعالى قال للرسول عليه الصلاة والسلام: حرضهم على الجهاد، فان لم يقبلوا قولك لم يكن من عصيانهم عتاب لك، وإن أطاعوك حصل لك من طاعتهم أعظم الثواب، فكان هذا ترغيبا من الله لرسوله في أن يجتهد في تحريض الأمة على الجهاد، والسبب في أنه عليه الصلاة والسلام كان يرجع إليه عند طاعتهم أجر عظيم، وما كان يرجع إليه من معصيتهم شيء من الوزر، هو أنه عليه السلام بذل الجهد في ترغيبهم في الطاعة وما رغبهم البتة في المعصية، فلا جرم يرجع إليه من طاعتهم أجر ولا يرجع إليه من معصيتهم وزر. الثالث: يجوز أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام لما كان يرغبهم في القتال ويبالغ في تحريضهم عليه، فكان بعض المنافقين يشفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أن يأذن لبعضهم في التخلف عن الغزو، فنهى الله عن مثل هذه الشفاعة وبين أن الشفاعة إنما تحسن إذا كانت وسيلة إلى إقامة طاعة الله، فأما إذا كانت وسيلة إلى معصيته كانت محرمة منكرة. الرابع: يجوز أن يكون بعض المؤمنين راغبا في الجهاد، إلا أنه لم يجد أهبة الجهاد، فصار غيره من المؤمنين شفيعا له إلى مؤمن آخر ليعينه على الجهاد، فكانت هذه الشفاعة سعيا في إقامة الطاعة، فرغب الله تعالى في مثل هذه الشفاعة، وعلى جميع الوجوه فالآية حسنة الاتصال بما قبلها.
المسألة الثانية: الشفاعة مأخوذة من الشفع، وهو أن يصير الانسان نفسه شفعا لصاحب الحاجة حتى يجتمع معه على المسألة فيها.
إذا عرفت هذا فنقول: في الشفاعة المذكورة في الآية وجوه: الأول: أن المراد منها تحريض النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على الجهاد، وذلك لأنه إذا كان عليه الصلاة والسلام يأمرهم بالغزو فقد جعل نفسه شفعا لهم في تحصيل الأغراض المتعلقة بالجهاد، وأيضا فالتحريض على الشيء عبارة عن الأمر به لا على سبيل التهديد، بل على سبيل الرفق والتلطف، وذلك يجري مجرى الشفاعة. الثاني: أن المراد منه ما ذكرنا من أن بعض المنافقين كان يشفع لمنافق آخر في أن يأذن له الرسول عليه الصلاة والسلام في التخلف عن الجهاد، أو المراد به أن بعض المؤمنين كان يشفع لمؤمن آخر عند مؤمن ثالث في أن يحصل له ما يحتاج إليه من آلات الجهاد. الثالث: نقل الواحدي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما معناه أن الشفاعة الحسنة ههنا هي أن يشفع إيمانه بالله بقتال الكفار، والشفاعة السيئة أن يشفع كفره بالمحبة للكفار وترك إيذائهم: الرابع: قال مقاتل: الشفاعة