الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الزجاج كلمة " من " ههنا صلة زائدة، والتقدير: وما أرسلنا رسولا، ويمكن أن يكون التقدير: وما أرسلنا من هذا الجنس أحدا الا كذا وكذا، وعلى هذا التقدير تكون المبالغة أتم.
المسألة الثانية: قال أبو علي الجبائي: معنى الآية: وما أرسلت من رسول إلا وأنا مريد أن يطاع ويصدق ولم أرسله ليعصى. قال: وهذا يدل على بطلان مذهب المجبرة لانهم يقولون: انه تعالى أرسل رسلا لتعصى، والعاصي من المعلوم أنه يبقى على الكفر، وقد نص الله على كذبهم في هذه الآية، فلو لم يكن في القرآن ما يدل على بطلان قولهم إلا هذه الآية لكفى، وكان يجب على قولهم أن يكون قد أرسل الرسل ليطاعوا وليعصوا جميعا، فدل ذلك على أن معصيتهم للرسل غير مرادة لله، وأنه تعالى ما أراد ألا أن يطاع.
واعلم أن هذا الاستدلال في غاية الضعف وبيانه من وجوه: الأول: ان قوله: * (إلا ليطاع) * يكفي في تحقيق مفهومه أن يطيعه مطيع واحد في وقت واحد، وليس من شرط تحقق مفهومه أن يطيعه جميع الناس في جميع الأوقات، وعلى هذا التقدير فنحن نقول بموجبه: وهو أن كل من أرسله الله تعالى فقد أطاعه بعض الناس في بعض الأوقات، اللهم الا أن يقال: تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه، الا أن الجبائي لا يقول بذلك، فسقط هذا الاشكال على جميع التقديرات. الثاني: لم لا يجوز أن يكون المراد به ان كل كافر فإنه لا بد وأن يقربه عند موته، كما قال تعالى: * (وإن من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته) * (النساء: 159) أو يحمل ذلك على ايمان الكل به يوم القيامة، ومن المعلوم أن العلم بعدم الطاعة مع وجود الطاعة متضادان، والضدان لا يجتمعان، وذلك العلم ممتنع العدم، فكانت الطاعة ممتنعة الوجود، والله عالم بجميع المعلومات، فكان عالما بكون الطاعة ممتنعة الوجود، والعالم بكون الشيء ممتنع الوجود لا يكون مريدا له، فثبت بهذا البرهان القاطع أن يستحيل أن يريد الله من الكافر كونه مطيعا، فوجب تأويل هذه اللفظة وهو أن يكون المراد من الكلام ليس الإرادة بل الأمر، والتقدير: وما أرسلنا من رسول إلا ليؤمر الناس بطاعته، وعلى هذا التقدير سقط الاشكال.
المسألة الثالثة: قال أصحابنا: الآية دالة على أنه لا يوجد شيء من الخير والشر والكفر والايمان والطاعة والعصيان إلا بإرادة الله تعالى، والدليل عليه قوله تعالى: * (الا ليطاع بإذن الله) * ولا يمكن أن يكون المراد من هذا الاذن الأمر والتكليف، لأنه لا معنى لكونه رسولا الا أن الله