(وأعطى قليلا) فيه أربعة أقوال:
أحدها: أطاع قليلا ثم عصى. قاله ابن عباس. والثاني: اعطى قليلا من نفسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع. قاله مجاهد. والثالث: اعطى قليلا من ماله ثم منع، قاله الضحاك. والرابع:
أعطى قليلا من الخير بلسانه ثم قطع، قاله مقاتل، قال ابن قتيبة: ومعنى " أكدى ": قطع، وهو من كدية الركية، وهي الصلابة فيها، وإذا بلغها الحافر يئس من حفرها، فقطع الحفر، فقيل لكل من طلب شيئا فلم يبلغ آخره، أو أعطى ولم يتم: أكدى.
قوله تعالى: (أعنده علم الغيب فهو يرى) فيه قولان:
أحدهما: فهو يرى حاله في الآخرة، قاله الفراء والثاني: فهو يعلم ما غاب عنه من أمر الآخرة وغيرها، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: (أم لم ينبأ بما في صحف موسى) يعني التوراة، (وإبراهيم (أي: وصحف إبراهيم. وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله تعالى أنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف.
قوله تعالى (الذي وفى) قرأ سعيد بن جبير، وأبو عمران الجوني، وابن السميفع اليماني " وفي " بتخفيف الفاء. قال الزجاج: قوله: " وفى " أبلغ من " وفى " لأن الذي امتحن به من أعظم المحن. وللمفسرين في الذي وفي عشرة أقوال:
أحدها: أنه وفى عمل يومه بأربع ركعات في أول النهار، رواه أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه وفي في كلمات كان يقولها. روى سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون.. ". وختم الآية. والثالث: أنه وفى الطاعة فيما فعل بابنه، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال القرظي.
والرابع: أنه وفى ربه جميع شرائع الإسلام، روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس.
والخامس: أنه وفى ما أمر به من تبليغ الرسالة، روي عن ابن عباس أيضا.
والسادس: أنه عمل بما أمر به، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وقال مجاهد: وفى ما فرض عليه.