قوله تعالى: (وأنتم الأعلون) أي: أنتم أعز منهم، والحجة لكم، وآخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات (والله معكم) بالعون والنصرة (ولن يتركم) قال ابن قتيبة: أي: لن ينقصكم ولن يظلمكم، يقال: وترتني حقي أي: بخستنيه. قال المفسرون: المعنى: لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا.
قوله تعالى: (ولا يسألكم أموالكم) أي، لن يسألكموها كلها.
قوله تعالى: (فيحفكم) قال الفراء: يجهدكم. وقال ابن قتيبة: يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم (تبخلوا)، يقال: أحفاني بالمسألة وألحف: إذا ألح. وقال السدي: إن يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا.
(ويخرج أضغانكم) وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن يعمر: " ويخرج " بياء مرفوعه وفتح الراء " أضغانكم " بالرفع. وقرأ أبي بن كعب، وأبو رزين، وعكرمة، وابن السميفع، وابن محيصن، والجحدري: " وتخرج " بتاء مفتوحة ورفع الراء " أضغانكم " بالرفع. وقرأ ابن مسعود، والوليد عن يعقوب: " ونخرج " بنون مرفوعة وكسر الراء " أضغانكم " بنصب النون، أي: يظهر بغضكم وعداوتكم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه فرض عليكم يسيرا. وفيمن يضاف إليه هذا الإخراج وجهان:
أحدهما: إلى الله عز وجل.
والثاني: البخل، حكاهما الفراء. وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة، وليس بصحيح لأنا قد بينا أن معنى الآية: إن يسألكم جميع أموالكم، والزكاة لا تنافي ذلك.
قوله تعالى: (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله) يعني ما فرض عليكم في أموالكم (فمنكم من يبخل) بما فرض عليه من الزكاة (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) أي: على نفسه بما ينفعها في الآخرة (والله الغني) عنكم وعن أموالكم (وأنتم الفقراء) إليه وإلى ما عنده من الخير والرحمة (وإن تتولوا) عن طاعته (يستبدل قوما غيركم) أطوع له منكم (ثم لا يكونوا أمثالكم) بل خيرا منكم. وفي هؤلاء القوم ثمانية أقوال:
أحدها: أنهم العجم، قاله الحسن، وفيه حديث يرويه أبو هريرة قال: لما نزلت " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم " كان سلمان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله: من هؤلاء الذين إذا تولينا استبدلوا بنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على منكب سلمان، فقال: " هذا وقومه، والذي نفسي بيده! لو أن الدين معلق بالثريا لتناوله رجال من فارس ".