وما بعد هذا قد سبق إلى قوله: (أم على قلوب أقفالها) " أم " بمعنى " بل "، وذكر الأقفال استعارة، والمراد أن القلب يكون كالبيت المقفل لا يصل إليه الهدى. قال مجاهد: الران أيسر من الطبع، والطرع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد ذلك كله. وقال خالد بن معدان: مامن آدمي إلا وله أربع أعين، عينان في رأسه لدنياه وما يصلحه من معيشته، وعينان في قلبه لدينه وما وعد الله من الغيب، فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه، وإذا أراد به غير ذلك طمس عليهما، فذلك قوله: " أم على قلوب أقفالها ".
قوله تعالى: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم) أي: رجعوا كفارا، وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم المنافقون، قاله ابن عباس، والسدي، وابن زيد.
والثاني: أنهم اليهود، قاله قتادة، ومقاتل (من بعد ما تبين لهم الهدى) أي: من بعد ما وضح لهم الحق. ومن قال: هم اليهود، قال: من بعد أن تبين لهم وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعته في كتابهم.
و (سول) بمعنى زين. (وأملى لهم) قرأ أبو عمرو، وزيد عن يعقوب: " وأملي لهم " بضم الهمزة وكسر اللام وبعدها ياء مفتوحة. وقرأ يعقوب إلا زيدا، وأبان عن عاصم كذلك، إلا أنهما أسكنا الياء. وقرأ الباقون بفتح الهمزة واللام. وقد سبق معنى الإملاء.
قوله تعالى: (ذلك) قال الزجاج: المعنى: الأمر ذلك، أي: ذلك الإضلال بقولهم (للذين كرهوا ما نزل الله) وفي الكارهين قولان:
أحدهما: أنهم المنافقون، فعلى هذا في معنى قوله: (سنطيعكم في بعض الأمر) ثلاثة أقوال: أحدها: في القعود عن نصرة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي. والثاني: في الميل إليكم والمظاهرة على محمد صلى الله عليه وسلم والثالث: في الارتداد بعد الإيمان، حكاهما الماوردي.
والثاني: أنهم اليهود، فعلى هذا في الذي أطاعوهم فيه قولان:
أحدهما: في أن لا يصدقوا شيئا من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الضحاك.
والثاني: في كتم ما علموه من نبوته، قاله ابن جريج.
(والله يعلم إسرارهم) قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم، والوليد عن يعقوب: بكسر الألف على أنه مصدر أسررت: وقرأ الباقون: بفتحها على أنه جمع سر، والمعنى أنه يعلم ما بين اليهود والمنافقين من السر.
قوله تعالى: (فكيف إذا توفتهم الملائكة)؟ أي: فكيف يكون حالهم حينئذ؟ وقد بينا في الأنفال: معنى قوله: (يضربون وجوههم وأدبارهم).