والثالث: أنهم ظنوا به حين خرج إلى الحديبية أنه سيقتل أو يهزم يقول ولا يعود ظافرا.
والرابع: أنهم ظنوا أنهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة واحدة عند الله.
والخامس: ظنوا أن الله لا يبعث الموتى. وقد بينا معنى " دائرة السوء " في براءة.
وما بعد هذا قد سبق بيانه إلى قوله: (ليؤمنوا بالله ورسوله) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو:
" ليؤمنوا " بالياء " ويعزروه ويوقروه ويسبحوه " كلهن بالياء، والباقون: بالتاء، على معنى: قل لهم:
إنا أرسلناك، لتؤمنوا وقرا علي بن أبي طالب: وابن السميفع: " ويعززوه " بزاءين. وقد ذكرنا في الأعراف معنى " ويعزروه " عند قوله: (وعزروه ونصروه).
قوله تعالى: (ويوقروه) أي: يعظموه ويبجلوه. واختار كثير من القراء الوقف هاهنا، لاختلاف الكناية فيه وفيما بعده.
قوله تعالى: (ويسبحوه) هذه الهاء ترجع إلى الله عز وجل. والمراد بتسبيحه هاهنا: الصلاة له. قال المفسرون: والمراد بصلاة البكرة: الفجر، وبصلاة الأصيل: باقي الصلوات الخمس.
قوله تعالى: (إن الذين يبايعونك) يعني بيعة الرضوان بالحديبية. وعلى ماذا بايعوه؟ فيه قولان:
أحدهما: أنهم بايعوه على الموت، قاله عبادة بن الصامت.
والثاني: على أن لا يفروا، قاله جابر بن عبد الله. ومعناهما متقارب، لأنه أراد: على أن لا تفروا ولو متم. وسميت بيعة، لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة، وكان العقد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهم بايعوا الله عز وجل، لأنه ضمن لهم الجنة بوفائهم. (يد الله فوق أيديهم) فيه أربعة أقوال:
أحدها: يد الله في الوفاء فوق أيديهم. والثاني: يد الله. في الثواب فوق أيديهم. والثالث:
يد الله عليهم في المنة بالهداية فوق أيديهم بالطاعة، ذكر هذه الأقوال الزجاج. والرابع: قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم، ذكره ابن جرير، وابن كيسان.
قوله تعالى: (فمن نكث) أي: نقض ما عقده من هذه البيعة (فإنما ينكث على نفسه) أي:
يرجع ذلك النقض عليه (ومن أوفى بما عاهد عليه الله) من البيعة (فسنؤتيه) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبان عن عاصم: " فسنؤتيه " بالنون. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بالياء (أجرا عظيما) وهو الجنة. قال ابن السائب: فلم ينكث العهد منهم غير رجل واحد يقال له: الجد بن قيس، وكان منافقا.