يقتضي نفي اللزوم. فيقال له: معلوم أنه لم يرد سقوط ديونهم، لأنه لا خلاف أنه متى وجد كان الغرماء أحق بما فضل عن قوته، وإذا لم ينف بذلك بقاء حقوقهم في ذمته، فكذلك لا يمنع بقاء لزومهم له ليستوفوا ديونهم مما يكسبه فاضلا عن قوته، وهذا هو معنى اللزوم، لأنا لا نختلف في ثبوت حقوقهم فيما يكسبه في المستقبل، فقد اقتضى ذلك ثبوت حق اللزوم لهم ولم ينتف ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليس لكم إلا ذلك) كما لم ينتف بقاء حقوقهم فيما يستفيده.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأخبار التي ذكرنا من إنظار المعسر وما ذكر من ترغيب الطالب في إنظاره، يدل على جواز التأجيل في الديون الحالة الواجبة عن الغصوب والبيوع.
وزعم الشافعي أنه إذا كان حالا في الأصل لا يصح التأجيل به، وذلك خلاف الآثار التي قدمنا، لأنها قد اقتضت جواز تأجيله، وبين ذلك حديث ابن بريدة فيمن أجل قبل أن يحل أو بعد ما حل، وقد تقدم سنده.
وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا سعيد بن منصور قال:
حدثنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن الشعبي، عن سمعان، عن سمرة بن جندب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ههنا أحد من بني فلان؟) فلم يجبه أحد، ثم قال: (ههنا أحد من بني فلان؟) فلم يجبه أحد، ثم قال: (ههنا أحد من بني فلان؟) فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟ إني لم أنوه بكم إلا خيرا، إن صاحبكم مأسور بدينه) فلقد رأيته أدى عنه حتى ما أحد يطالبه بشئ.
وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثني سليمان بن داود المهري النهدي قال: حدثنا وهب قال: حدثني سعيد بن أبي أيوب، أنه سمع أبا عبد الله القرشي يقول: سمعت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري يقول عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه عبد بعد الكبائر التي نهاه الله عنها: أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء) وفي هذين الحديثين: دليل على أن المطالبة واللزوم لا يسقطان عن المعسر كما لم تسقط عنه المطالبة بالموت وإن لم يدع له وفاء.
فإن قيل: لا يخلوا هذا الرجل المدين إذا مات مفلسا من أن يكون مفرطا في قضاء دينه أو غير مفرط، فإن كان مفرطا فإنما هو مطالب عند الله بتفريطه كسائر الذنوب التي لم يتب منها، وإن كان غير مفرط فالله تعالى لا يؤاخذه به لأن الله لا يؤاخذ أحدا إلا بذنبه. قيل له: إنما ذلك فيمن فرط في قضاء دينه ثم لم يتب من تفريطه حتى مات