تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) قيل له: إن كان الدين مرادا بقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) [النساء: 58] فإن الأمر بذلك توجه إليه على شريطة الإمكان، لما وصفنا من أن الله تعالى لا يكلف أحدا مالا يقدر عليه ولا يتسع لفعله، وهو محكوم له من ظاهر إعساره أنه غير قادر على أدائه. ولم يكن شريح ولا أحد من السلف يخفى عليهم أن الله لا يكلف أحدا مالا يقدر عليه، بل كانوا عالمين بذلك، ولكنه ذهب عندي - والله أعلم - إلى أنه لم يتيقن وجود ذلك، ويجوز أن يكون قادرا على أدائه مع ظهور إعساره، فلذلك حبسه.
واختلف أهل العلم في الحاكم إذا ثبت عنده إعساره وأطلقه من الحبس، هل يحول بين الطالب وبين لزومه؟ فقال أصحابنا: (للطالب أن يلزمه). وذكر ابن رستم عن محمد قال: (والملزوم في الدين لا يمنع من دخول منزله للغذاء والغائط والبول، فإن أعطاه الذي يلزمه الغذاء وموضع الخلاء فله أن يمنعه من إتيان منزله). وقال غيرهم، منهم مالك والشافعي: (ليس له أن يلزمه). وقال الليث بن سعد (يؤاجر الحر المعسر فيقضي دينه من أجرته)، ولا نعلم أحدا قال بمثل قوله إلا الزهري، فإن الليث بن سعد روى عن الزهري قال: (يؤاجر المعسر بما عليه من الدين حتى يقضي عنه).
والذي يدل على أن ظهور الإعسار لا يسقط عنه اللزوم والمطالبة والاقتضاء، حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من أعرابي بعيرا إلى أجل، فلما حل الأجل جاءه يتقاضاه، فقال: (جئتنا وما عندنا شئ، ولكن أقم حتى تأتي الصدقة) فجعل الأعرابي يقول: واغدراه! فهم به عمر، فقال صلى الله عليه وسلم: (دعه فإن لصاحب الحق مقالا) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس عنده شئ، ولم يمنعه الاقتضاء، وقال (إن لصاحب الحق مقالا) فدل ذلك على أن الإعسار بالدين غير مانع اقتضاءه ولزومه به، وقوله (أقم حتى تأتي الصدقة) يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اشترى البعير للصدقة لا لنفسه، لأنه لو كان اشتراه لنفسه لم يكن ليقضيه من إبل الصدقة، لأنه لم يكن تحل له الصدقة، فهذا يدل على أن من اشترى لغيره يلزمه ثمن ما اشترى، وإن حقوق العقد متعلقة به دون المشتري له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه اقتضاءه ومطالبته به. وهو في معنى الحديث الذي رواه أبو رافع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا ثم قضاه من إبل الصدقة)، لأن السلف كان دينا على مال الصدقة، وروي في خبر آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لصاحب الحق اليد واللسان) رواه محمد بن الحسن، وقال: (في اليد اللزوم وفي اللسان الاقتضاء) وحدثنا من لا أتهم في الرواية قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن يحيى قال:
حدثنا إبراهيم بن حمزة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمر، عن